“المعاهدة” استنفدت أغراضها

“المعاهدة” استنفدت أغراضها

“المعاهدة” استنفدت أغراضها

كتب //  حمادة الفراعنة

 

انتبه الرئيس هاني الملقي لاستعمالي تعبير: “المعاهدة الأردنية الإسرائيلية «استنفدت أغراضها»”، سأل: ماذا تقصد؟ أجبته: علينا في البداية استحضار الظروف السياسية والعوامل الضاغطة التي صنعت معاهدة السلام أردنياً وإسرائيلياً وأميركياً.

 

حينذاك التقط الرئيس الأمريكي بوش ربط صدام حسين الانسحاب من الكويت بالمطالبة بحل مشاكل المنطقة مجتمعة، وربط انسحابه من الكويت بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967، ساعياً لتحقيق مكسب سياسي ثمناً لصموده على الجبهة الإيرانية، ولإظهاره بعدم التراجع عما فعله مع الكويت.

 

وحينما هُزم العراق في الكويت على يد التحالف الدولي بادر بوش في آذار 1991 بالدعوة لعقد قمة مدريد التي عُقدت في تشرين أول 1991، واستثمر مناخ الهزيمة العربية، موظفاً فكرة صدام حسين لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، بعد النَيْل من العراق.

 

تعرض الأردن لحصار سياسي واقتصادي بسبب عدم مشاركته في التحالف الدولي ضد العراق لأنه كان يعتقد أن العراق رصيداً وقوة للعرب في مواجهة العدو الإسرائيلي، وتمسك بالحل العربي لإنهاء احتلال العراق للكويت.

 

الإسرائيليون كانوا في نشوة لإزاحة العراق من طريقهم كقوة عربية مواجِهة، وتعجّلوا توظيف نتائج الحرب المدمرة على العرب، وتطلعوا لتحقيق القفزة الثانية في اختراق الجسم العربي بعد كامب ديفيد 17 أيلول 1978،، وإزالة لاءات الخرطوم: لا صلح لا تفاوض لا اعتراف بالمستعمرة الإسرائيلية.

 

توصل الأردن والمستعمرة إلى جدول أعمال المفاوضات في شهر كانون أول 1992، وعلق التوصل إلى توصُّل الفلسطينيين إلى اتفاق حتى لا ينفرد بالحل، وبعد اتفاق أوسلو في أيلول 1993، تم إعلان واشنطن يوم 25 تموز 1994، بتوقيع معاهدة السلام في 26/10/1994.

تضمنت معاهدة وادي عربة ثلاث نقاط هامة لصالح الأردن:

 

1- تضمنت المادة الثانية عدم ابعاد الفلسطينيين إلى الأردن كما حصل في نكبة 1948، ونكسة 1967، ونصت حرفياً: “يعتقدان أن تحركات السكان القسرية ضمن نفوذهما.. [التي] تؤثر سلباً على الطرفين ينبغي ألا يُسمح به” ولذلك لم يستقبل الأردن أيّاً من المبعدين الفلسطينيين الأربعمائة إلى جنوب لبنان، ولا معتصمي كنيسة المهد في بيت لحم الذين أُبعدوا إلى إيطاليا وإسبانيا.

 

2- تضمنت المادة الثالثة ترسيم الحدود بين الطرفين شمال الضفة الفلسطينية وجنوبها، وتعليق الحدود بين الأردن والضفة الفلسطينية حتى المفاوضات النهائية. ونص البند الثاني من هذه المادة على: “تُعتبر الحدود الدولية الدائمة والآمنة والمعترف بها بين الأردن و(المستعمَرة) [إسرائيل] دون المساس بوضع أية أراضي دخلت تحت سيطرة الحكم العسكري الإسرائيلي سنة 1967”.

 

3- تعلّقت المادة التاسعة بأحقية الإشراف الأردني على المسجد الأقصى ونص البند الثاني منها على: “بما يتماشى مع إعلان واشنطن، تحترم (المستعمرة) [إسرائيل] الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستولي (المستعمرة) [إسرائيل] أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن”.

رأى الفريق الثُلاثي المتنفذ في حكومة المستعمرة والمؤلَّف من:

 

1- اليمين،

 

2- اليمين السياسي المتطرف،

 

3- اليهودي المتدين المتشدد،

 

إن ما تضمنته المعاهدة وقف عائقاً أمام: استكمال بلع الضفة الفلسطينية، والسيطرة على المسجد الأقصى وتهويد بعضه، والإبعاد القسري للفلسطينيين وجعل الأرض الفلسطينية طاردة لأهلها. يرى هذا الفريق أن الإنجازات التي تحققت لهم، جعلت معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية أنها قد استنفدت أغراضها، والمعطيات الحالية الإسرائيلية تجاوزت العوامل التي صنعت الاتفاقية.

 

تابع في “المعاهدة” استنفدت أغراضها

 

لا يعني هذا أن المعاهدة إيجابية لصالح الأردن، أو أنها جعلت العلاقات الأردنية مع المستعمرة كسمْنٍ على عسل، أو أن المستعمرة قد التزمت بها، بل بقيت بعض بنودها تشكل عائقاً أمام برنامج توسعه الاستعماري، وتُعرقل أعماله لبلع باقي فلسطين، باستثناء قطاع غزة الذي بات خارج حساباته وأطماعه.

 

المعاهدة عطّلت برنامج الفريق الائتلافي الأكثر تطرفاً لدى المجتمع العبري الإسرائيلي المكون من:

 

1- اليمين،

 

2- اليمين السياسي المتطرف،

 

3- الديني اليهودي المتشدد، نحو:

 

أ- استكمال أسرلة وعبرنة وتهويد القدس وخاصة المسجد الأقصى،

 

ب- ترسيم حدود الأردن مع الضفة الفلسطينية،

 

ج- منعت إبعاد الفلسطينيين إلى الأردن،

 

مقارنة مع الفريق المتلاشي تأثيره من الحياة السياسية لدى مجتمع المستعمرة، فحزب العمل وحركة ميرتس مُتوقَّع لهما الزوال، وعدم تجاوز نسبة الحسم في أية انتخابات مقبلة ولن يتمكن ممثليهما من العودة إلى البرلمان.

 

المعاهدة لم تكن نتيجة انتصار، بل حصيلة تراجع بسبب التغيير في موازين القوى الدولية بزوال المعسكر الاشتراكي نتيجة الحرب الباردة 1990، والإقليمية نتيجة تدمير العراق من قبل التحالف الدولي 1991.
ولهذا جاءت النتائج لصالح المستعمرة دولياً وإقليمياً، وانعكس ذلك على مضمون المعاهدة في قضايا جوهرية، أهمها:

 

أولاً:

 

إنهاء حالة الحرب بين الأردن والمستعمرة بدون معالجة نتائج الحرب باتجاهين: الأول إنهاء احتلال الأرض التي كانت جزءاً من أراضي المملكة الأردنية الهاشمية وسيادتها عام 1967 وهي الضفة الفلسطينية والقدس والثاني عودة النازحين الذين تشردوا بفعل الحرب وتداعياتها.

 

ثانياً:

 

تناولت المعاهدة معالجة قضية النازحين عبر لجنة رباعية تضم الأردن ومصر والفلسطينيين والمستعمرة، كان من المفترض الاهتمام والعمل على إعادة النازحين طوال الفترة الماضية منذ عام 1994 إلى الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، وخاصة أبناء قطاع غزة الذين لا يتمتعون بالجنسية الأردنية ولا الجنسية الفلسطينية، وينطبق عليهم وصف “بدون”، ولذلك يجب العمل على عودتهم إلى القطاع ما دام العدو قد جلا عنه.

 

ثالثاً:

 

تم إحالة قضية اللاجئين إلى المجموعة الدولية متعددة الأطراف المنبثقة عن مؤتمر مدريد وهم 16 دولة برئاسة كندا، بدلاً من الإقرار بحق عودتهم إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عام 1948، كاللد وحيفا والرملة ويافا وعكا وبيسان وصفد وبئر السبع، واستعادة ممتلكاتهم فيها، لكن المعاهدة نصت بدلاً من ذلك: “المساعدة في مضمار العمل على توطينهم”.

 

على الرغم من النص القائل: “عدم المساس بوضع أية أراضٍ دخلت تحت سيطرة الحكم العسكري الإسرائيلي عام 1967” دون أن تذكر أنها محتلة، فها هي المستعمرة تعمل على التوسع والاستيطان وتغيير المعالم ومحاولات ضم أراضي الضفة الفلسطينية.

 

وعلى الرغم من النص القائل باحترام المستعمرة “للدور الحالي الخاص بالمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية في القدس”، تم التطاول على حرمة المسجد الأقصى واقتحامه يومياً من المستوطنين، ونواب ووزراء حكومة المستعمرة منذ آخر قرار لنتنياهو الصادر في 2/7/2018، الذي سمح لهم باقتحام ساحات المسجد الأقصى والمس بحرمته وقدسيته!
مضمون المعاهدة وبنودها والمطالبة بالالتزام بها هو عنوان الصراع بين الأردن والمستعمرة وفي طليعتها قضايا: إنهاء الاحتلال، وحق الفلسطينيين بالاستقلال، والقدس، والاستيطان