عمليات الضبط الاجتماعي

عمليات الضبط الاجتماعي

عمليات الضبط الاجتماعي

 

كتب / د.عصام عدوان

 

يعرف الضبط الاجتماعي بأنه تلك العمليات التي تهدف إلى جعل سلوك الأفراد متوافقاً مع ثقافة المجتمع. وفي الحالة الفلسطينية؛ يقوم الاحتلال الصهيوني بعمليات متعددة تهدف إلى جعل سلوك الفلسطينيين متوافقاً مع حاجات الاحتلال ومتطلباته، بما يحقق استمرار الاحتلال وديمومته.

 

وقد تمثلت هذه العمليات في التحكم في مناهج التعليم والتحكم في الاقتصاد وفي حركة التنقل والتجارة والإسقاط والتطبيع وسياسة الجسور المفتوحة وفتح أبواب العمل في داخل الكيان وفرض اللغة العبرية في الوثائق الرسمية، وغير ذلك.

 

وقد مارس الاستعمار في كل البلاد التي وقعت فريسة له، سياسة ضبط المجتمع على إيقاع أهدافه ومصالحه. وقد أثبتت وقائع التاريخ بأن تلك السياسات أدت في المحصلة إلى الصدام معه. ومن ثمّ عمِد الاستعمار وهو عازم على مغدرة البلاد التي استعمرها إلى خطة التفافية تلبي له حاجاته بأيدي وأدوات محلية، فهيأ الظروف اللازمة لإبراز قيادات محلية تضبط مجتمعاتها بما يحافظ على مصالح وأهداف الاستعمار. وقد حصل ذلك بالفعل في معظم الدول العربية إبان فترة استقلالها.

 

 

لقد عمد الاستعمار، بعد سنوات طويلة من الاحتلال المباشر، إلى إسناد مهمة ضبط المجتمع الفلسطيني إلى قيادات محلية، أبدت استعدادها للتعاون معه والمحافظة على مصالحه، وتحقيق أهدافه في المنطقة، وحمايته. وأصبحت مهمة الاستعمار الجديدة هي ضبط سلوك القيادات المحلية ليتوافق مع سياساته وأهدافه ومصالحه.

 

 

وفي هذا السياق لجأ إلى عدة إجراءات ما بين الترغيب والترهيب: كمنح هذه القيادات امتيازات التنقل والسفر، وطلبات التوظيف لبعض عناصرهم وكوادرهم، وإعفائهم من الجمارك، والحصول على تراخيص استثمارية لهم ولذويهم، وتقديم تدريب أمني، وبعض السلاح الذي يسمح به، وتكثيف اللقاءات، وفي كل لقاء يمنحهم عدداً من الامتيازات لهم ولمن يهمهم أمره. ويتناقش معهم في سبل تحقيق الاستقرار في مناطقهم.

 

تابع في عمليات الضبط الاجتماعي

ويحصل منهم على تقارير معلوماتية. وحرص الاستعمار على تعويدهم على تبادل الزيارات الرسمية وغير الرسمية، سواء في مدنهم العربية أو خارج البلاد، وهدد بالقتل والإبعاد والحرمان كل من يفكر منهم بمخالفة أمره. ومع امتهان تلك القيادات المحلية لهذه الأعمال وتعودهم عليها نشأت علاقات عاطفية ومصالح وأفهام مشتركة بينها وبين قادة الدولة المستعمِرة، كفيلة بتمكين المستعمِر من ضبط وتنظيم وتوجيه وإدارة المجتمع المحلي بالطريقة التي تحلو لهم، وبسلاسة تفوق ضبطهم للمجتمع إبان استعماره المباشر.

 

 

لم تقف المجتمعات العربية صامتة تجاه محاولات الاستعمار غير المباشر في ضبط مجتمعاتها التي خضعت له في فترة الاستعمار المباشر، فكانت محاولاتها للفكاك من ربقة الاستعمار وأعوان ووكلاء الاستعمار الذين قادوا أمتهم برسم الاستعمار. وهو ما عبّرت عنه ثورات الربيع العربي. وهي محاولات لن تتوقف عند جولة، بل ستظل مرشّحة للتكرار.

 

 

وإن الدرس الواجب تسجيله أن كل محاولات الاستعمار في ضبط المجتمع بشكل مباشر أو غير مباشر هي محاولات بائسة، ستأخذ وقتها ثم تنجلي. وهذه هي مهمة الشعوب الحرة الحالمة بالتغيير والانعتاق من المستعمِر. ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله