فإذا جاء وعد الآخرة

فإذا جاء وعد الآخرة
(فإذا جاء وعد الآخرة)
—————————–

بقلم / د. نصر فحجان

هذا هو الإفساد الثاني لبني إسرائيل، الثاني والأخير، ولم يقل الله تعالى: (فإذا جاء وعد الثانية) أو: (فإذا جاء وعد ثانيتهما)، بل قال: (فإذا جاء وعد الآخرة) أيْ الثانية والأخيرة.
إنهما إفسادان، لا ثالثَ لهما، (لتفسدن في الأرض مرتين)، وهذه هي المرة الثانية والأخيرة لكم يا بني إسرائيل في الأرض المباركة (فلسطين).

 

وقد سُبِق هذا الوعد بزوالكم أن ردً الله لكم الكرًة على من أزال إفسادكم الأول وهم البابليون ذوو الأصول العربية، وأمدّكم بالأموال والبنين وجعلكم أكثر نفيراً.

 

وها أنتم تجنون ثمرة هذا الإفساد والعُلوّ الكبير، فيبعث الله عليكم عبادًا له، كما بعث في المرة الأولى: (فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادًا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدًا مفعولًا).

 

لقد جاء وعد الآخرة، إنّه الوعد بزوالكم، وزوال ملككم، ونهاية إفسادكم وعلوِّكم الكبير، وتشريدكم من جديد، وتتبير كلِّ مظاهر إفسادكم في بيت المقدس وفلسطين.

 

سيبعث الله عليكم (عبادًا لنا) بنفس الصفات والمواصفات التي كان عليها العباد الذين أزالوا ملككم وإفسادكم الأول: (أولي بأس شديد)، وسيُزيلون كيانكم الفاسد، ولن ينفعكم استكباركم وعلوُّكم، ولن تنفعكم أموالكم ولا بنوكم، ولا كثرة نفيركم.

تابع في فإذا جاء وعد الآخرة

إنّهم موصوفون بكونهم: (عبادًا لنا أولي بأس شديد)، سيُبعثون عليكم من جديد بمهمّاتٍ وتكاليفَ محددةٍ لهم من الله تعالى بدقة، وهي ثلاثةٌ كما يلي:

 

أولاً: (ليسوءوا وجوهكم).

 

ثانياً: (وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة).
ثالثًا: (وليتبروا ما علوا تتبيرًا).

 

وسيكون زوالكم في المرّتين متماثلًا ومتشابهًا، فإساءة الوجه هي ذات الإساءة، والجوس خلال الديار هو الجوس ذاته، ودخول المسجد (بيت المقدس) هو ذات الدخول، والقتل هو القتل، والتتبير هو التتبير، والإخراج هو الإخراج، والرحيل هو الرحيل.

 

 

ولا أشكُّ في أنَّ الإفساد الثاني والأخير لبني إسرائيل في الأرض المباركة (فلسطين) هو هذا الإفساد الذي نراه بأعيننا الآن، وهو المتمثِّل في هذا الكيان الجاثم فوق الأرض العربية، والمُسمَّى(إسرائيل)، وهو الذي تمَّ الإعلان عنه في 15/5/1948م.

 

 

وإنَّ ممَّا يجعلني متيقِّنًا من أنَّ الكيان الإسرائيلي القائم حاليًا على أرض فلسطين هو الإفساد الثاني والأخير لبني إسرائيل ما يلي:

 

 

1. هذا الإفساد الذي نراه سبقه ردٌّ للكرَّة لبني إسرائيل على العرب، وهو ما صرَّحت به هذه الآية : (ثم رددنا لكم الكرة عليهم ).

 

 

2. الإمداد الواضح لبني إسرائيل بالأموال والبنين، (وأمددناكم بأموال وبنين).

 

 

3. اليهود هم الأكثر نفيرًا من العرب، والأكثر نفيرًا واستنفارًا للعالم كلِّه لشنِّ الحروب منذ 1948م، كما قال تعالى: (كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله).

 

 

4. إساءة الوجه التي يتعرض لها اليهود على يد أهل فلسطين، والمقاومة الفلسطينية يومًا بعد يوم، فقد انكشفت سوءاتهم أمام الكثير من شعوب العالم، وعُرف عنهم الوحشية، وظهرت عوراتهم، ولم يعودوا هم الجيشَ الذي لا يُقهر، كما كانوا يزعمون دائمًا.

 

 

5. إنَّ مجيء اليهود لفيفًا إلى فلسطين من كل مكانٍ يؤكد أنَّ هذا الإفساد الذي نراه هو الإفساد الثاني والأخير لبني إسرائيل في الأرض المباركة (فلسطين): (فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفًا).

 

وبقيَ لي أنْ أعرض بعد هذه البيِّنات بقِيَّةَ الوعْد الإلهيّ لهذا الإفساد:

 

 

1. دخول بيت المقدس، والجوس خلال الديار، كما في قوله تعالى: (وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة).

 

 

2. تتبير الإفساد الإسرائيلي في فلسطين، وإهلاكه بإذن الله تعالى: (وليتبروا ما علوا تتبيرًا).
3. خروج اليهود من فلسطين والرحيل عنها بإذن الله تعالى: (عسى ربكم أن يرحمكم) حيث سيرحمهم الله تعالى بأن يأذن لهم بالهروب والهجرة بعد هزيمتهم وزوال دولتهم وإفسادهم.

 

ومن العلماء الذين أستأنس برأيهم، ويقولون بأنَّ هذا الإفساد الحالي هو الإفساد الثاني لبني إسرائيل في الأرض المباركة (فلسطين):

 

 

أ‌- الشيخ محمد متولي الشعراوي. (راجع تفسير الشعراوي).

 

ب‌- الأستاذ بسام جرار (راجع كتاب: زوال إسرائيل 2022م .. نبوءة أم صدف رقمية).

 

ت‌- الدكتور أحمد نوفل (راجع موقع إسلاميات، تفسير سورة الإسراء، الآية 7).

 

ث‌- الشيخ سعيد حوى (راجع كتاب الأساس في التفسير).

 

ج‌- الشيخ عبد الله بن محمد الطوالة (راجع تأملات في سورة الإسراء).

 

ح‌- الدكتور يونس الأسطل، حيث يقول:

 

(وإنَّ من المرجَّح كذلك أنّنا اليوم على موعد مع تتبير العلوِّ الكبير لبني إسرائيل في هذا الإفساد الثاني، حيثُ إنَّ من أماراته أنْ يأتي الله بهم لفيفًا، ولا شكّ أنَّ الهجرة اليهودية إلى فلسطين ما كانت يومًا كما كانت في العقود الأخيرة …)

 

ويقول أيضًا: (لكنَّ الذي أودُّ الإشارة إليه أنّهم منذ تحطيم العلوّ الأول لم يقُمْ لهم كيان سياسي إلا في زماننا هذا …)

 

إنَّ هذا الكيان اليهودي القائم في فلسطين الآن، لا يمكن أنْ يكون خارجاً عن السياق التاريخي الذي تتحدث عنه سورة الإسراء، ولا يمكن أنْ يكون خارج قوله تعالى: (لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوًا كبيرًا)، فهو إفساد بني إسرائيل الأخير بلا شك، بعيدًا عن التأويلات المخالفة للواقع والتاريخ، فإنَّ خير التأويل ما كان حادثًا واقعًا تشاهده العين، وتدركه الحواس.