مركز الشرق للأبحاث و الثقافة

الحالمون بالعودة والتحرير

العودة والتحرير

الحالمون بالعودة والتحرير  

د. عصام عدوان

 

من خلال مجريات معركة سيف القدس، شعر الكثيرون، بقرب نهاية إسرائيل، وأننا بتنا على مشارف معركة التحرير. أحداً لم يقدِّم تصوراً واضحاً لما ستؤول إليه الأمور في فلسطين إبان التحرير، مثل كيفية التصرف باليهود المحتلين بعد هزيمتهم، والتصرف بالأموال التي جمعوها طوال احتلالهم لفلسطين. لم يقدِّم أحدٌ تصوراً لكيفية توزيع الأراضي على العائدين؛ بعد أن نشأت مدن على أراضي مجموعة من القرى العربية المهجَّرة، وأُقيمت منشآت استراتيجية على أراضي عائلات، فهل يكفي الحديث عن استعادة اللاجئين لبيوتهم وممتلكاتهم؟ وهل يُسمح بتفكيك المنشآت الاستراتيجية؛ كمحطات الطاقة، والمطارات، والموانئ، ومحطات معالجة المياه العادمة، والطرق العابرة لفلسطين، وغيرها، من أجل استعادة العائدين لأراضيهم وممتلكاتهم؟

 

 

أمام الحالمون بالعودة والتحرير قضايا كثيرة ستكون محط إشكال كبير فور هزيمة المحتلين وخروجهم من البلاد، ولابد من تخطيط استراتيجي لوضع تصور واضح لحل كل تلك الإشكالات الآن، قبل انشغال المسئولين في إجراءات التحرير، ومعركة التحرير القادمة؛ عند ذاك لن يتمكن أحد من وضع استراتيجيات، ولا حلول، لانهماك الجميع في المعركة الفاصلة. إن من التفكير السليم أن نبحث كل قضايا الوضع المؤقت الذي سيلي التحرير مباشرة، وأن نضع تصوراً واضحاً وخطة لكل شيء، ولا نترك شيئاً للصدفة أو الارتجال.

 

 

أمثلة لما يجب التخطيط له منذ الآن:

 

محطات توليد الكهرباء:

 

هل لدينا جهوزية لتشغيل محطات توليد الكهرباء التي سنستخلصها من أيدي الأعداء؟ وهل عددها معلوم لدينا على وجه الدقة؟ وهل نعرف بدقة كم تحتاج من عاملين لإدارتها، وكم حاجتها من وقود؟ ومن أين نأتي به في تلك اللحظات؟ وكيف نحافظ عليها من النهب والتخريب؟
وكم عنصر أمن نحتاج لتأمينها؟ وهل لدينا جهوزية فنية وبشرية لضمان عمل تلك المحطات بالشكل الملائم عبر شبكات الكهرباء، بما يؤمِّن إصلاح الأعطال التي ستسببها الحرب، وضمان وصول الكهرباء لكل القطاعات الحيوية، وأخص منها محطات ضخ المياه العادمة، ومحطات ضخ المياه الصالحة للشرب والري، وتشغيل المستشفيات، والمخابز، كمؤسسات لا تحتمل التأخير أو التعطيل؟ هذه مسألة واحدة من أصل عشرات المسائل التي من الواجب معرفة أدق تفاصيلها، ووضع تصور حقيقي لضمان سير العمل والاستفادة القصوى من المؤسسات، والأبنية، والمنشآت، والأراضي المزروعة، والثروات.

 

 

السيادة:

 

إن من أخطر المسائل التي تستوجب من القائمين بتحرير فلسطين أن يتجّهزوا لها من الآن، مسألة السيادة. فمن هي الجهة السيادية التي ستكون لها الكلمة إبان التحرير؟ هل هي منظمة التحرير الفلسطينية، أم السلطة الفلسطينية، أم الفصائل الوطنية والإسلامية، أم منظمة المؤتمر الإسلامي، أم جامعة الدول العربية..؟ إلخ
إن كل مَن ذكرنا – باستثناء عددٍ قليل من فصائل المقاومة الفلسطينية – لا يؤمنون بالتحرير أصلاً، وبالتالي ليسوا جاهزين لمتطلباته وتوابعه، ألا يقتضي الأمر منا العمل مبكراً على تشكيل هيئة سيادية يكون لها القول الفصل في الفترة الانتقالية بُعَيْد التحرير، كي لا يُترك فراغٌ سياديٌ تملؤه حكومات أو منظمات لا تستحق أن تكون في المشهد السياسي آنذاك؛ لأنها كانت ضد التحرير وضد المقاوِمين، ولا يجوز أن يكون لهم أي وضع سياسي في فلسطين بعد تحريرها بأي حال.

 

أملاك اللاجئين العائدين:

 

إن فرحة الشعب الفلسطيني ولاجئيه بالتحرير ستجعلهم يتدفقون كالسيل الجارف نحو أراضيهم المحررة، قد يجد بعضهم برجاً أُقيم على أرضه، أو مصنعاً، أو مطاراً، أو محطة كهرباء، وما شابه، فهل يحق له التصرف بهذه الموارد بدعوى أنها أُقيمت على أرضه؟! ألا يجب أن يتقدّم منطق النفع العام؟ فمن سيكون لديه الوقت آنذاك ليقرر كيفية التصرف بالموارد، وكيفية تعويض العائدين عن أراضيهم المقام عليها تلك المنشآت الاستراتيجية؟ إن ملايين من اللاجئين العائدين بحاجة إلى وحدات سكنية تؤويهم على وجه السرعة، فكيف يمكن تنظيم عملية توزيع عادلة وسريعة للبيوت والشقق على العائدين، إلى أن يتم البتّ في مصير أراضيهم، وإقرار الشكل النهائي للتعويض المناسب. والسؤال المتفرِّع عن ذلك: مَن يحصي تلك البيوت والشقق في أرجاء فلسطين، وكيف سيتم التوزيع، وما أُسسه، ومَن يحميها من التخريب أو النهب، وكيف ستتم عملية تسجيل هذه المقرات المؤقتة بأسماء شاغليها، وأين وكيف سيتم حفظ تلك المعلومات والسجلات؟

 

إن قضايا كثيرة، من هذه الشاكلة يجب التخطيط لها بعناية منذ الآن، لنكون جاهزين عند بدء معركة التحرير. ولست متصوراً أن الوقت كافٍ لذلك، فحثوا الخطى أيها الحالمون بالعودة والتحرير.