النظام السياسي الفلسطيني فترة الاحتلال البريطاني

النظام السياسي الفلسطيني فترة الاحتلال البريطاني

النظام السياسي الفلسطيني فترة الاحتلال البريطاني

 

د. عصام محمد علي عدوان

 

يبدأ الحديث عن النظام السياسي الفلسطيني مع بدء الاحتلال البريطاني، ذلك لأن فلسطين لم تكن دولة قائمة بذاتها إبان الحكم العثماني، بل لم تكن حتى ولاية من ولايات الدولة العثمانية، بل توزعت إلى ثلاث متصرفيات: متصرفيتي نابلس وعكا تتبعان ولاية بيروت، ومتصرفية مستقلة في القدس تتبع الباب العالي.

 

الإدارة العسكرية البريطانية في فلسطين 1917—1920:

 

شرعت القوات البريطانية في تطبيق الحكم العسكري على الأقاليم التي تم احتلالها. فقد خضع جنوب فلسطين أولاً ثم شمالها لسيطرة الإنجليز.

 

وقد بدأ الحكم العسكري لفلسطين فعلياً عام 1917 وتحديداً منذ أن أصدر الجنرال الإنجليزي إدموند اللينبي AlIenby منشوره في 24 أكتوبر 1917، واستمر حتى حزيران/يونيو 1920.
وبعد ثلاثة أيام من احتلال مدينة القدس أذاع الجنرال اللينبي بتاريخ 11/12/1917  منشور الأحكام العرفية في القدس الشريف من قلعة صلاح الدين والذي أكد فيه أن “المدينة أصبحت راضخة للأحكام العرفية، وأن هذا النظام سيظل ساريا فيها ما دامت الاعتبارات الحربية تقضي بذلك”.
كما أعلن الجنرال اللينبي أيضا عن إنشاء إدارة عسكرية عرفت باسم “الإدارة الجنوبية لبلاد العدو المحتلة”. وظلت هذه الإدارة تسيطر في البداية على جنوب فلسطين فقط، إلى أن تمكنت القوات البريطانية من احتلال كامل فلسطين في أيلول/سبتمبر 1918 .

 

مع بداية الحكم العسكري البريطاني لفلسطين قسمت فلسطين إلى ثلاثة عشر لواء، ثم تقلصت في أبريل 1919 إلى عشرة ألوية تم تصنيفها إلى ثلاث درجات: أولى وثانية وثالثة. وكان يحكم كل لواء حاكم عسكري يساعده في ذلك موظفون انجليز.

 

تميز الحكم العسكري الذي استمر ثلاث سنوات بالحكم المطلق وكانت فلسطين تحكم بلا قانون. فقد كانت كلمة الحاكم العسكري هي القانون، وهذا ما أكده ستورز حاكم القدس الذي قال: “عشنا في دولة من الجهل وكلمتي كانت القانون”. وهذا يعني من الناحية العملية أن القضاء كان يتبع الأحكام والأوامر العسكرية البريطانية وليس العكس.

 

لقد اعتمدت الإدارة العسكرية في حكم البلاد على البلديات والمخاتير. فبالنسبة للبلديات فقد أعطى المندوب السامي لنفسه الحق في تعيين رئيس البلدية من بين الأعضاء الفائزين، الذين يختارون دائما من طبقة الأعيان وكبار الملاك. فحتى عام 1927 لم تجر انتخابات بلدية في كل أنحاء فلسطين. على العكس من ذلك، لم تتدخل الإدارة العسكرية البريطانية في اختصاصات المستوطنات اليهودية التي كانت تتمتع منذ البداية بمجالس بلدية مستقلة وبحرس عسكري خاص بها.

 

أما بخصوص المخاتير، فقد ألغت الإدارة العسكرية النظام العثماني الذي يقضي بانتخابهم وإعادة تعيين قسم كبير منهم ولكن بدون رواتب. فهؤلاء كان معظمهم لا يجيدون القراءة، أو الكتابة، وكانوا يمثلون الأسر ذات المصالح المهمة في القرى. وقد استمر هذا الأمر حتى في زمن الإدارة المدنية.

 

صحيح أن الإدارة البريطانية أصدرت في حزيران/يونيو 1918 أوامر تقضي بتنظيم وإعادة تأسيس المحاكم المدنية التي كانت سائدة في العهد العثماني، وأنشأت محكمتين ابتدائيتين في القدس ويافا، كما أنشأت (محاكم مخصوصة) في الأقضية التي ليس فيها محاكم ابتدائية.

 

أما بخصوص المحاكم الشرعية فظلت على ما كانت عليه قبل الاحتلال، ووعدت الإدارة البريطانية بإنشاء محكمة شرعية إسلامية في كل قضاء. وبقي أيضا نفس الوضع ساريا بالنسبة لاختصاص محاكم الطوائف المسيحية واليهودية.

 

لم تكن الإدارة العسكرية البريطانية معنية بسن قوانين محلية أو وضع أسس وقوانين ثابتة للإدارة في فلسطين التي كانت من الناحية القانونية المحضة بلدا فاقد الهوية ومجهول المصير، وينتظر تقرير مصيره في المؤتمرات الدولية.
لهذا قامت الإدارة البريطانية باتباع الأنظمة والقوانين التي كانت سائدة في العهد العثماني مع إجراء بعض التعديلات الضرورية عليها. فوفقا لقانون الجمعيات العثماني الذي كان ساري المفعول،  باشر أهل فلسطين منذ عام 1918 في تشكيل تنظيمات سياسية ومنتديات أدبية وجمعيات إسلامية مسيحية ومؤتمرات عربية فلسطينية لقيادة الشعب الفلسطيني وتمثيل مصالحه وأهدافه وتطلعاته السياسية.

تابع في مقال النظام السياسي الفلسطيني فترة الاحتلال البريطاني

وكانت أولى هذه الجمعيات الإسلامية المسيحية قد تأسست في يافا في حزيران/يونيو 1918 برئاسة راغب أبو السعود، كما تأسست جمعية إسلامية مسيحية فلسطينية في القدس في أكتوبر 1918 برئاسة عارف الدجاني.  ووضع نظامها الأساسي في القدس في كانون ثاني/ يناير1919.

 

في ظل هذه الظروف والأوضاع السياسية منع الوفد الفلسطيني، الذي انتخبه المؤتمر العربي الفلسطيني الأول، من السفر إلى باريس لحضور مؤتمر السلم في فرساي، فرفع المؤتمر العربي الفلسطيني الأول مذكرة احتجاج إلى المؤتمر بتاريخ 3 شباط/فبر اير 1919 أكد فيها على الرفض التام لمطالب الحركة الصهيونية وإلى هجرة اليهود إلى فلسطين، وإلى تصريح بلفور، وإلى أية معاهدة أخرى أبرمت بحق البلاد ومستقبلها بدون إرادة الشعب الفلسطيني.
كما وشددت المذكرة على المطالب القومية في الاستقلال والوحدة
العربية، وعلى أن فلسطين جزء من سوريا العربية لم تنفصل عنها في يوم من الأيام وتربطها بها روابط قومية ودينية واقتصادية وجغرافية.

 

وعندما تبين للسلطات العسكرية البريطانية التي سمحت بانعقاد المؤتمر، أنه لم يتخذ قرارات تتفق وأهدافها السياسية في فلسطين، لجأت إلى منع نشر قراراته علي الشعب وإلى شق الحركة الوطنية الفلسطينية والقضاء على الاتجاه العربي القومي والوحدوي فيها.

 

وبعد أن أعلنت الحكومة البريطانية في 20 شباط/فبراير 1920 رسميا ولأول مرة على لسان حاكم فلسطين العسكري الجنرال (بولز) نص وعد بلفور، عمت البلاد موجة من الغضب وأعمال العنف المسلحة، ابتدأت في القدس في موسم النبي موسى في الرابع من نيسان/أبريل 1920 واستمرت أسبوعا كاملا على الرغم من إعلان الأحكام العرفية.
لقد شكلت هذه الأعمال والإضرابات بداية النضال والكفاح المسلح لشعب فلسطين الذي اضطر إلى ذلك بعد أن فشلت المقاومة السلمية المتمثلة في المناشدات والاحتجاجات والمظاهرات والإضرابات في حمل الحكومة البريطانية على الالتزام بعهودها للعرب  والعدول عن تنفيذ وعد بلفور.

 

بعد هذه الأحداث الدموية الأولى بشهرين، أعلنت الحكومة البريطانية في الأول من تموز/يوليو1920 عن قيام إدارة مدنية في فلسطين برئاسة اليهودي البريطاني الأصل هربرت صموئيل.

 

لقد كان صموئيل أول مندوب بريطاني سام لفلسطين. لقد شرع أثناء فترة حكمه التي استمرت خمس سنوات في تهويد فلسطين ووضعها في حالة سياسية واقتصادية وإدارية تؤدي إلى قيام الوطن القومي اليهودي فيها.

 

الانتداب ونظام الحكم البريطاني في فلسطين

 

مقدمة عامة:

 

بعد أن انتهت الحرب العالمية الأولى 1918 ثارت الشعوب العربية التي كانت تحت  سيطرة الإمبراطورية العثمانية ضد الحلفاء مطالبة إياهم بالحرية والاستقلال التزاما بتعهداتهم ووعودهم التي قطعوها للعرب أثناء الحرب. لكن الحلفاء الذين انتصروا في الحرب ووقعوا في يونيو/حزيران سنة 1919 في مؤتمر فرساي على ميثاق عصبة الأمم، ابتكروا نظاما جديدا سموه نظام الانتداب بهدف التنصل من التزاماتهم ولمواصلة احتلال  الأقاليم التي كانت تابعة للدولة العثمانية.

 

بموجب الفقرة الرابعة من المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم والتي بني عليها نظام الانتداب، اعتبرت بعض الجماعات التي كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية أنها وصلت من الرقي إلى درجة يستطاع عندها الاعتراف بقيامها بصفة أمم مستقلة، على أن تتولى إسداء المشورة والمساعدة الإدارية لها دولة منتدبة وذلك إلى الوقت الذي تصبح فيه قادرة على الوقوف وحدها، على أن يكون لرغائب هذه الجماعات اعتبار رئيس في اختيار الدولة المنتدبة.

 

وفي نيسان/ أبريل 1920 قرر المجلس الأعلى للحلفاء في سان ريمو وضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي وفلسطين والأردن تحت الانتداب البريطاني دون استشارة شعوب المنطقة، فشعب فلسطين لم يشارك ولم يوافق أيضا على مرسوم دستور فلسطين الصادر في 10 أغسطس 1922 . إذ لم يصدر هذا الدستور بصورة ديمقراطية تنسجم مع إرادة شعب فلسطين الذي يعنيه الأمر. بل جاء هذا الدستور كأمر صادر عن ملك بريطانيا استنادا إلى السلطات المخولة له بقانون الاختصاص في البلاد الأجنبية لسنة 1890 .

 

لقد شكل صك الانتداب البريطاني على فلسطين لعام 1922 إضافة إلى دستور فلسطين، مع التعديلات اللاحقة التي أجريت عليه، الأسس والمرجعيات القانونية للسياسات التي اتبعتها الحكومات البريطانية حتى سنة 1948.

 

لقد كان دستور فلسطين اعتداء آخر على حقوق شعب فلسطين مثله في ذلك مثل صك الانتداب البريطاني. فدستور فلسطين لم يكن في الواقع قانونا يكفل الحريات ويصون الحقوق، بل كان قانونا للعقوبات وصورة متفقة ومتممة لصك الانتداب البريطاني. وعلى الرغم من ذلك لم تحكم بريطانيا فلسطين حسب مبدأ الانتداب، بل حكمتها حكما مباشرا ومطلقا لم تشرك فيه الشعب الفلسطيني لا في التشريع ولا في الحكم ولا في الإدارة.
في ضوء هذه الأطر الدستورية والقانونية التي أوجدها الاحتلال البريطاني، بهدف إعطاء نفسه الشرعية في إقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين.
وفي ظل السياسة البريطانية المنحازة على أرض الواقع للحركة الصهيونية وأطماعها في فلسطين والمعادية للمطالب والحقوق الطبيعية والتاريخية للعرب في بلادهم، أصبحت المقاومة العربية المسلحة أمرا مفروضا ومفروغا منه ولا يمكن تفاديها وبخاصة بعد أن أخفقت كل الوسائل السلمية في إقناع الحكومة البريطانية بضرورة احترام مطالب الحقوق العربية في لم تتغير ولم تتبدل مطالب الشعب العربي الفلسطيني طيلة فترة الوجود البريطاني في فلسطين وقد كانت تدور على ما يلي:

 

  1. رفض إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين رفضا تاما.
  2. رفض الهجرة اليهودية إلى فلسطين ورفض الحركة الصهيونية وأهدافها.
  3. رفض نقل ملكية الأراضي من العرب إلى اليهود.
  4. رفض الاحتلال البريطاني لفلسطين والسياسات المنحازة لليهود.
  5. مطالبة العرب بريطانيا باستقلال فلسطين وبتأسيس حكومة وطنية فيها مسؤولة أمام مجلس نيابي ينتخبه سكان البلاد.

تابع أيضا في مقال النظام السياسي الفلسطيني فترة الاحتلال البريطاني

لم تكن بريطانيا معنية بالاستجابة للمطالب العربية أو بإيجاد حل عادل لمشكلة فلسطين يتفق مع رغبات سكانها وشعبها، بل كانت في واقع الأمر معنية فقط في احتواء الثورات الفلسطينية المسلحة، والالتفاف على مطالبها.

 

السلطة التنفيذية:

 

لقد اتسم نظام الحكم البريطاني في فلسطين منذ بداية احتلالها عام 1917 وحتى انتهاء الانتداب عنها في شهر أيار/مايو 1948 بالحكم الاستبدادي المطلق والمباشر، سواء أكان ذلك في عهد الحكم العسكري 1917—1920 أو في ظل الإدارة المدنية التي حلت محله ابتداء من الأول من تموز/يوليو 1920. فصلاحيات رئيس الإدارة المدنية وسلطاته، لم تكن أقل قيمة من سلطات الحاكم العسكري وصلاحياته. إن حكومة الانتداب البريطاني التي حكمت فلسطين حكما مباشرا، لم تشرك شعب فلسطين لا في التشريع ولا في التنفيذ ولا حتى في الإدارة، كما أنها حرمته أيضا من تشكيل حكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس نيابي. لقد كان يتم تعيين المندوب السامي، رئيس الإدارة المدنية، من الملك، ويتصل مباشرة مع وزير المستعمرات.

 

من خلال اطلاعنا على أحكام السلطة التنفيذية التي جاءت في المواد (4 – 16) من دستور فلسطين لسنة 1922، نجد إن:

 

 صلاحيات المندوب السامي وسلطاته هي:

 

  1. يرأس الإدارة المدنية وحكومة فلسطين.
  2. القائد العام للقوات المسلحة.
  3. المسؤول عن تطبيق أحكام الانتداب البريطاني بما فيها إنشاء وطن قومي يهودي في
  4. التصرف بالأراضي الأميرية ومنح الامتيازات الاقتصادية.
  5. حق تعيين نائبه وبقية الموظفين الحكوميين وعزلهم.
  6. يرأس حلسات المجلس التشريعي (السلطة التشريعية) ويحق له حل هذا المجلس.
  7. يحاكم مرتكبي الجرائم في فلسطين ويصدر العفو عن أي مجرم أو شريك في الجريمة أدين بارتكاب جرم من محكمة أو قاض أو حاكم صلح في فلسطين.
  8. له حق سن القوانين والموافقة عليها أو عدم إصدارها.
استنادا على ما تقدم نستطيع أن نصل إلى نتيجة واضحة مفادها أن المندوب السامي هو الحاكم المطلق لفلسطين، يجمع بين يديه سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية وإدارية ضخمة، وهو المسؤول عن رسم السياسة العامة لحكومة الانتداب وتحديدها في جميع هذه النواحي المذكورة أعلاه. إن هذه الصلاحيات مخالفة لأبسط القواعد الديمقراطية المعروفة في العالم، ومخالفة أيضا لنظام الحكم البريطاني نفسه الذي يطبق على الشعب الإنجليزي في بريطانيا.

 

السلطة التشريعية:

 

لقد بين الفصل الثالث من دستور فلسطين لسنة 1922 أحكام السلطة التشريعية في المواد (34-17)، مع ملاحظة أن بعض مواد السلطة التشريعية كالمادة (17) قد أدخل عليها بعض التغييرات بموجب التعديلات الدستورية التي جرت سنة 1923 وسنة 1936. أما المواد من (34-18) فقد تم إلغاؤها بموجب دستور فلسطين المعدل لسنة 1939.

 

لم تتكون السلطة التشريعية بموجب دستور فلسطين لسنة 1922 ولا حتى بموجب جميع التعديلات الدستورية اللاحقة من مجلسين كما هو الحال في بريطانيا نفسها أو في معظم دول العالم. وكانت الحكومة البريطانية تهدف من وراء الأخذ بنظام المجلس الواحد وليس بنظام المجلسين إلى التسريع في تنفيذ سياسات الانتداب البريطاني في فلسطين، وإقامة الوطن القومي اليهودي دون إيطاء أو إعاقات تشريعية كما يحدث في ظل المجلسين من جهة، ومن جهة أخرى حتى لا يتم تمثيل أهل فلسطين تمثيلا صحيحا يتفق ونسبتهم العددية.
لقد نصت المادة السابعة عشره من دستور فلسطين لسنة 1922 على تأسيس السلطة التشريعية التي تتكون من مجلس تشريعي واحد، حيث جاء في هذه المادة:

 

اعتبارا من تاريخ يعينه المندوب السامي في المجلس التنفيذي بمنشور ينشر في جريدة (الوقائع الفلسطينية الرسمية) يشكل مجلس تشريعي لفلسطين وفقا لما هو منصوص عليه في هذا المرسوم ويقوم ذلك المجلس مقام أي مجلس استشاري يكون موجودا حينئذ…” بهذا تكون الحكومة البريطانية قد ألغت المجلس الاستشاري الذي أنشأته في تشرين أول/أكتوبر 1920 برئاسة المندوب السامي لمساعدتها في تنفيد سياساتها في فلسطين. وكان يتألف هذا المجلس إضافة إلى المندوب السامي من عشرين عضوا، عشرة منهم من الأعضاء الإنجليز الموظفين، وعشرة آخرين غير موظفين أربعة منهم من المسلمين وثلاثة من اليهود وثلاثة من المسيحيين.

 

أما المادة التاسعة عشرة فقد بينت تركيبة هذا المجلس، حيث أكدت على أن “يؤلف المجلس التشريعي من اثنين وعشرين عضوا إضافة إلى المندوب السامي، ويكون عشرة من هؤلاء الأعضاء موظفين معينين من الإنجليز واثنا عشر منهم أعضاء غير موظفين” منتخبين عشرة منهم من الفلسطينيين (ثمانية للمسلمين واثنان للمسيحيين واثنان للبيود).

 

أما سلطات هذا المجلس وصلاحياته وتنفيذ قراراته فهي مرهونة بالكامل بإرادة المندوب السامي الذي له السلطة المطلقة عليه.

 

وبموجب (المادة 22)، يحق للمندوب السامي وبمنشور يصدره في أي وقت من الأوقات أن يفض المجلس أو يحله، ويترتب على المندوب السامي أن يحل المجلس عند انقضاء ثلاث سنوات من تاريخ أول جلسة يعقدها.

 

ونصت (المادة 24) على أن “لا يعمل بأي قانون ما لم يوافق عليه المندوب السامي ويقترن بتوقيعه إيذانا بتلك الموافقة. أو ما لم يقره جلالته بمرسوم أو بوساطة الوزير.

 

 من خلا اطلاعنا على نصوص المواد المتعلقة بالمجلس التشريعي المقترح نرى أنه كان خاليا من أية سلطة لإصدار القوانين دون موافقة المندوب السامي الذي يسيطر عليه، وأنه لا يخدم مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه، حيث كان ممثلا فيه كأقلية. لهذه الأسباب لم يوافق عرب فلسطين على الدستور ولا على المجلس التشريعي.
بناء على ذلك قررت اللجنة التنفيذية العربية في 31 آب/ أغسطس 1922 مقاطعة انتخابات المجلس التشريعي (محافظة، 1989، ص/ 1) تباعا لذلك رفض الأعضاء العرب الذين تم تعيينهم من حكومة الانتداب في المجلس التشريعي الاشتراك فيه. ونتيجة مقاطعة العرب الفلسطينيين الانتخابات، ألغت الحكومة البريطانية الجزء الخاص بإنشاء المجلس التشريعي، مما اضطرها إلى تعديل الدستور واستبدال المجلس التشريعي بالمجلس الاستشاري السابق لسنة 1920 .
لقد تمكن المندوب السامي من إقناع عشرة شخصيات عربية بقبول عضوية المجلس الاستشاري، ما لبث أن قدم سبعة أعضاء منهم استقالاتهم بناء على الدعوة التي وجهتها اللجنة التنفيذية العربية إلى الشعب العربي الفلسطيني لمقاطعة المجلس الاستشاري.

 

وبعد أن أخفقت الحكومة البريطانية في إنشاء مجلس تشريعي ومجلس استشاري يشترك فيه العرب، وبعد أن رفض العرب الاقتراح البريطاني في تشرين أول/أكتوبر 1923 بتشكيل وكالة عربية، يكون لها فيما يخص الشعب الفلسطيني ما للوكالة اليهودية الصلاحيات بخصوص اليهود، ولكن دون أن يكون لها صفة تشريعية بل صفة استشارية، أنشات الحكومة البريطانية في كانون الأول /ديسمبر 1923 مجلسا استشاريا مؤلفا من كبار الموظفين الإنجليز فقط. بهذا المجس واصلت حكومة الانتداب حكم البلاد حكما مباشرا غير آبهة بواجباتها في ترقية مؤسسات الحكم الذاتي في البلاد.
ولا بطلب أبناء الشعب الفلسطيني في تأسيس حكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس نيابي ينتخبها سكان فلسطين على أساس نسبة عدد السكان، متعللة أن ذلك يتعارض مع واجباتها في إنشاء الوطن القومي اليهودي.

 

وعلى أثر اندلاع ثورة البراق عام 1929 بسبب محاولات اليهود السيطرة على حائط البراق في القدس، شكلت الحكومة البريطانية لجنة للتحقيق في أسباب الثورة ولوضع التوصيات اللازمة لذلك. لقد جاء في هذا التقرير الذي وضعته اللجنة، بعد أن درست الحالة في البلاد، أن السبب الأساس الذي لولاه لما وقعت الاضطرابات، هو شعور العرب بالعداء والبغضاء نحو اليهود لخيبة أمانيهم السياسية والوطنية وتخوفهم على مستقبلهم الاقتصادي والسياسي من اليهود بسبب الهجرة اليهودية المتزايدة ونقل ملكية الأراضي من العرب إلى اليهود، أما بخصوص حائط البراق أوصت اللجنة بالإسراع في تعيين لجنة دولية من مجلس عصبة الأمم، بموجب المادة (14) من صك الانتداب، للفصل في الحقوق والمطالب المتعلقة به. وفعلا وافقت عصبة الأمم على تأليف لجنة دولية لدراسة مسألة البراق، صدر عنها تقرير عام 1930 اعترفت فيه بملكية المسلمين لحائط البراق لكونه جزءا من الحرم الشريف، وكذلك بملكية الرصيف أمامه، على أن تقتصر زيارة اليهود له على الوجه الذي كان لهم عند بدء الاحتلال.

 

أصدرت الحكومة البريطانية في تشرين أول أكتوبر 1930 كتاب باسفيلد الأبيض. وقد جاء فيه أن الحكومة البريطانية قررت أن الوقت قد حان للتقدم خطوة أخرى في سبيل منح أهالي فلسطين درجة من الحكم الذاتي، تتلاءم مع أحكام صك الانتداب، وتمكن العرب الذين ليس لديهم الآن وسائل دستورية، من وضع ارائهم حول الأمور الاجتماعية والاقتصادية أمام الحكومة، ومن الاشتراك أيضا في البحث والتداول فيها”. لكن الحكومة البريطانية تراجعت عن كتاب باسفيلد الذي لم يعش أكثر من بضعة أسابيع، وتلاه كتاب أسود ألغى ما جاء في كتاب باسفيلد.
لقد صدر هذا الكتاب الأسود نتيجة الضغوطات والتهديدات التي مارستها الحركة الصهيونية على بريطانيا بشن حرب اقتصادية ضدها إن هي نفذت بنود كتاب باسفيلد. كما نجحت الحركة الصهيونية أيضا في إقالة السير جون تشانسلور المندوب السامي من منصبه انتقاما منه على اقتراحه إنشاء مجلس تشريعي في البلاد. لكن الحركة الصهيونية قد أجبرت الحكومة البريطانية مرة أخرى على التراجع عن سياستها الانتدابية، إن كانت تحمل في طياتها بعض الإيجابيات لصالح الشعب العربي في فلسطين. لقد برر الزعيم الصهيوني الدكتور حاييم وايزمن معارضة اليهود للمجلس التشريعي بقوله أن العرب سوف يستعملونه أداة لعرقلة توسع الوطن القومي اليهودي.

 

ونتيجة لثورة عام 1936 وللإضراب الكبير الذي تخللها واستمر حوالي ستة أشهر، شكلت الحكومة البريطانية لجنة ملكية برئاسة اللورد بيل لدراسة القضية الفلسطينية برمتها وأسباب الثورة. وفي 7 تموز/يوليو 1937 أصدرت اللجنة الملكية تقريرا رسميا معنية بتنفيذ البند المتعلق بموضوع الدستور في الكتاب الأبيض، وهو الجزء الوحيد من الكتاب الذي يشتمل على بعض الإيجابيات للجانب العربي، على الرغم من المأخذ والتحفظات العربية عليه.

 

وفي مسألة الهجرة حدد الكتاب الأبيض عدد المهاجرين اليهود المسموح بدخولهم فلسطين على مدار خمس سنوات فقط بخمسة وسبعين ألفا، وأن الحكومة البريطانية ستوقف الهجرة الزائدة. لكن الذي حصل أن الحكومة البريطانية لم توقف الهجرة الزائدة ولم تلتزم بفترة السنوات الخمس. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 1944 ألغت الحكومة البريطانية رسميا هذا التحديد الزمني للهجرة اليهودية.

 

أما موقف الحكومة البريطانية في الكتاب الأبيض 1939 من مسألة الأراضى، فقد أكدت الحكومة البريطانية على منع انتقال ملكية الأراضي من العرب إلى اليهود في بعض المناطق، ووضعت قيودا على انتقال الأراضي من العرب إلى اليهود في مناطق أخرى. من خلال هذا العرض نرى أن هذا الكتاب لم ينفذ لا بروحه ولا بظاهره. على الرغم من كونه لا يؤمن حقوق العرب الفلسطينيين، إلا أن مصيره كان مصير سائر الكتب البيض التي سبقته.

 

السلطة القضائية:

 

نص مرسوم دستور فلسطين لسنة 1922 على تشكيل مجموعة من المحاكم تمارس مهامها واختصاصاتها بالفصل في المنازعات التي تعرض عليها وفقا لما يقرره المندوب السامي البريطاني من حين لآخر. وأخذ بمبدأ التخصص في عرض القضايا على المحاكم، مما أدى إلى تقسيم المحاكم العادية إلى محاكم مدنية ومحاكم جزائية. ويقوم القضاء المدني على ثلاثة أنواع من المحاكم وهي: محاكم الصلح، والمحكمة المركزية، ومحكمة الاستئناف العليا، ولكل من هذه المحاكم اختصاصاتها.

 

أما المواد 52—56 فقد أعطت المحاكم الشرعية الإسلامية والمحاكم الدينية للطوائف المسيحية واليهودية صلاحيات مستقلة للقضاء وقضايا الأوقاف والأحوال الشخصية في مسائل الزواج والطلاق والإدارة الداخلية والهيئات الدينية.

 

وبعد عام 1936 شددت السلطات البريطانية إجراءاتها ضد ثورة 1936 للحد من فاعليتها وانتشارها فقد خولت السلطات البريطانية “المحاكم العسكرية الحق في إصدار أحكام الإعدام على كل شخص يحمل سلاحا بغض النظر عن نوع ذلك السلاح أو قيمته العسكرية”.

 


المصدر: عثمان محمود أحمد وآخرون، التربية الوطنية، منشورات جامعة القدس المفتوحة، 2010م، ص 32 – 45