مركز الشرق للأبحاث و الثقافة

الضم وتجميده والدور المطلوب

الضم وتجميده والدور المطلوب

الضم وتجميده والدور المطلوب

 

كتب // حمادة فراعنة

بهدوء لافت وضجيج خافت مرَّ الأول من تموز، ولم يُعلن رئيس حكومة المستعمَرة قراره بالضم ولم تُتّخَذ إجراءات إضافية.

أسباب جوهرية عِدَّة تقف وراء إلغاء قرار الضم أو تأجيله أو تقسيطه، منها:

أولاً: الخلاف داخل مؤسسات صنع القرار لدى المستعمَرة، فلديهم مواقف أربع هي:

 

1- بنيامين نتنياهو يرغب بالضم لأسباب عقائدية تتعلق بقناعة تقوم على أن الضفة الفلسطينية هي قلب التراث اليهودي على عكس مناطق 48، ففي القدس والخليل وبيت لحم وسبسطية ونابلس مواقع تراث عالمي ومعالم لا يتوفر مثيلها في بقية أرض فلسطين، وهو بذلك يلبي تطلعات المتدينين المتشددين فتزداد شعبيته بينهم، وبكسب تأييد المستوطنين، وهو يرى أن الظروف السياسية استثنائية وغير مسبوقة بهذه الحماسة الأميركية من قِبَل الإدارة الأمريكية، ولا يتوقع ردود أفعال قوية ومعيقة، فقد تم ضم القدس واعترفت واشنطن به ونقلت سفارتها إليها ومع ذلك ما “خربت الدنيا”.

 

 

2- اعتراض الجيش الإسرائيلي والمخابرات على الضم، فالأمن مستتب، والاستيطان يتسع وعمليات الأسرلة والتهويد متواصلة ومتراكمة، والتنسيق الأمني مع رام الله قائم، والتهدئة الأمنية مع غزة لا غُبار عليها ولا احتجاج، وعلاقات التطبيع مع أغلبية البلدان العربية جارية، والضم قد يؤدي إلى زعزعة كل هذه المعطيات، من دون أن يحقق مكاسب إضافية فهو ليس إلا خسارة محتملة ومن الواجب تحاشيها من وجهة نظر جيش المستعمرة ومخابراتها سواء لدى الشينبيت أو الموساد.

 

 

3- عدم حماسة الثنائي بيني غانتس وزير الدفاع، وجابي اشكنازي وزير الخارجية للضم نظراً لخلفيتهما العسكرية كجنرالين سابقين، كون الضم يُثير متاعب سياسية مع الحلفاء الأوروبيين ومع الأطراف العربية، وليس هناك ما يستدعي الاستعجال لفرض الضم، والأولوية بالنسبة لهما معالجة الكورونا والبطالة والأوضاع الاقتصادية.

 

 

4- يشترط المستوطنون للضم أن يشمل كل الضفة الفلسطينية ولا يقتصر على أراضي المستعمرات والغور، وأن لا يرتبط بالموافقة على إقامة دولة فلسطينية في غزة وما تبقى من الضفة الفلسطينية.

 

ثانياً: الموقف الأميركي، بعد مظاهر المعارضة لخطة ترامب أوروبياً وعربياً، بدا الموقف الأميركي متحفِّظاً من الضم واشترط شرطين:

 

أ‌- أن يحظى قرار الضم بالإجماع الإسرائيلي.

 

ب‌- أن يُعلن نتنياهو قبوله بالدولة الفلسطينية.

 

تابع في الضم وتجميده والدور المطلوب

 

وقد التقى مبعوث واشنطن آفي باركوفيتش الذي حل محل جرينبلات مبعوثاً للرئيس، مع أطراف حكومة المستعمرة، وترك ذلك أثره على تجميد أو تأجيل الضم.

 

 

ثالثاً: الموقف الأردني، كثيرون لا يعرفون أن معاهدة وادي عربة رسمت الحدود الأردنية مع فلسطين واستثنت خارطة الضفة الفلسطينية من الترسيم، باعتبارها أرض محتلة.

 

والتفاوض بشأنها خاص بالفلسطينيين، ولذلك لا يجوز لحكومة المستعمرة تقرير مستقبلها من طرف واحد؛ لأنها كانت جزءاً من أراضي المملكة الأردنية الهاشمية حينما وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، والأردن يتحمل مسؤولية استعادتها وقد تخلى عن دوره القانوني بشأنها لأصحابها وشعبها الفلسطيني وقيادتهم منظمة التحرير عام 1988، ولم يتخل عنها لمصلحة الاحتلال، ولذلك أي قرار إسرائيلي منفرد بشأن الضفة الفلسطينية يُخل بمضمون المعاهدة الأردنية الإسرائيلية واستحقاقاتها.

 

 

مثَّل الموقف الأردني رأس حربة سياسية تجاه قرار نتنياهو نحو الضم منسجماً مع موقفيه: الأول: حينما أعلن ترامب في 6 / 12 / 2017 اعترافه بالقدس الموحدة عاصمة للمستعمرة الإسرائيلية.
2- حينما أعلن ترامب يوم 28 / 1 / 2020 خطته المسماة صفقة القرن لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

 

 

فضلاً عن مصالح الأردن مع فلسطين، حماية لأمنه الوطني والقومي، المتعارضة مع موقفي واشنطن وتل أبيب رغم العلاقات الاستراتيجية معهما.
لهذه الأسباب الجوهرية الثلاثة جاء موقف نتنياهو بعدم تنفيذ الضم:

 

1- الخلافات الإسرائيلية،
2- الأميركي،
3- الأردني،
إضافة إلى العامل الأوروبي شكلت عوامل طاردة في مواجهة العوامل الضاغطة لفرض عملية الضم من قبل حكومة المستعمرة كما يقترحها نتنياهو، ولكن ما هو الدور الفلسطيني وهو العنصر الأهم في الصراع، فهو المعادل الموضوعي إن لم يكن الوحيد الأساس في مواجهة الإجراء الإسرائيلي، فالصراع فلسطيني إسرائيلي محتدم بين المشروعين: الوطني الديمقراطي الفلسطيني في مواجهة المشروع الاستعماري الإسرائيلي.

 

 تابع في الضم وتجميده والدور المطلوب

أهمية العامل الفلسطيني يكمن ليس فقط بوجود عامل بشري داخل وطنهم وهو عنصر استراتيجي في فشل المشروع التوسعي الإسرائيلي، ولكن أهميته تكمن في نضاله ضد الاحتلال، وفي جعل مشروع الاحتلال والتوسع والاستيطان مكلفاً، وهو ليس كذلك، الآن، فالاحتلال لمناطق 67 مشروع مربح للإسرائيليين لخمسة أسباب هي:

 

 

1- أيديولوجي باعتبار الضفة (يهودا والسامرة) أرض إسرائيل.

 

2- أمني.

 

3- سوق استهلاكي.

 

4- مصدر لعمالة رخيصة.

 

5- مخزون مائي وغذائي.

 

ومع ذلك ورغم تفوق قدرات المستعمَرة، علينا أن نتذكر أن للفلسطينيين تجربتان في جعل الاحتلال مكلفاً حيث أرغموه على التراجع والانسحاب والرضوخ.

 

التجربة الأولى على إثر انتفاضة عام 1987 التي أرغمت إسحق رابين على الاعتراف لأول مرة بـ:
1- الشعب الفلسطيني،
2- بمنظمة التحرير،

 

3- بالحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني، و اتفاق أوسلو عام 1993، وعلى أرضية هذا الاتفاق تم :

 

1- الانسحاب التدريجي من المدن الفلسطينية من غزة وأريحا أولاً.

 

 

2- ولادة السلطة الوطنية مقدمة لولادة الدولة الفلسطينية.

 

 

3- عودة الرئيس الراحل ياسر عرفات ومعه أكثر من 350 الف فلسطيني.

 

 

ولكن هذا الإنجاز وهذه النتيجة تم تخريبها والتراجع عنها ودفع رابين حياته ثمناً لها، لأنه في نظر اليمين المتطرف والمتدينين المتشددين «خان إسرائيل وتنازل عن أرضها» ودفع ياسر عرافات حياته ثمناً للتصدي للتراجع الإسرائيلي من أجل قضيتي القدس واللاجئين.

 

والتجربة الثانية على إثر انتفاضة عام 2000 التي أجبرت شارون على الرحيل عن قطاع غزة بعد فكفكة المستوطنات وإزالة قواعد جيش الاحتلال عام 2005.
ليس للشعب الفلسطيني وقياداته سوى استحضار تجربته وانجازاته، ودراسة أسباب اخفاقاته، لا يحتاج لمعلمين ومرشدين، فهو المعلم والأقدر على مواجهة العدو لأنه في وطنه وفي قلب الوحش الإسرائيلي ويجيد التعامل معه عبر أدوات خلّاقة تجعل احتلاله وتوسعه واستعماره مكلفاً وتجبره على الرحيل.

فهل ارتقى الفعل الفلسطيني لمستوى الفعل الإسرائيلي ليجعله مكلفاً؟؟.

السلطة الفلسطينية وفتح ومن معها رفضوا الضم فقرر الرئيس:

 

1- تجميد التفاهم والتنسيق مع العدو يوم 20 أيار 2020.

 

2-عقد المؤتمرات الوطنية على التوالي في مدينة أريحا يوم الاثنين 22 حزيران، وفي قرية فصايل يوم الأربعاء 24 حزيران، وفي قرية بردلة يوم السبت 27 حزيران، على أرض الغور الفلسطيني.

 

3- مؤتمر صحفي مشترك بين جبريل الرجوب – فتح، وصالح العاروري – حماس، تعبيراً عن تجميد الخلافات يوم الخميس 2/7/2020، وسلطة حماس في غزة دفعت نحو مظاهرة حاشدة تعبيراً عن رفض الضم وجميع قياداتها أعلنوا أن الخيارات مفتوحة على كل الاحتمالات، كلام مليح وتهديد واصل، ولكن هذه المظاهر لا قيمة لها في ميزان الأفعال !!..

 

مطلوب تنظيم خطوات تناسب الأخطار والتحديات من أجل التوصل إلى:

 

1- برنامج سياسي مشترك.

 

2- مؤسسة تمثيلية موحدة.

 

3- أدوات كفاحية متفق عليها.

 

وهذا لن يكون دون اجتماع الأمناء العامين للفصائل السياسية لإقرار السياسة والبرنامج والأدوات المطلوبة.
الفلسطينيون يحتاجون لأفعال وليس للحكي والتنظير.