النظام السياسي الفلسطيني في الضفة وغزة 1948-1967م
د. عصام عدوان
أولاً: حكومة عموم فلسطين
في ليلة العاشر من تموز 1948م أعلنت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية قرار اللجنة السياسية للجامعة بإقامة إدارة مدنية مؤقتة لتسيير الشئون المدنية العامة والخدمات الضرورية، بدون اختصاصات سياسية. ونتيجة تجدّد القتال قبل يوم إعلان الإدارة المدنية، توقف العمل بها.
اجتمعت الإدارة المدنية المؤقتة في مدينة غزة في 22/09/1948م، وأبلغ أحمد حلمي عبد الباقي الحكومات العربية والأمين العام لجامعة الدول العربية بإعلان فلسطين بأجمعها وحدودها المعروفة قبل انتهاء الانتداب البريطاني عليها دولة مستقلة وإقامة حكومة فيها تعرف بحكومة عموم فلسطين على أسس ديمقراطية
وقررت الهيئة العربية العليا تأليف المجلس الوطني من الشخصيات والهيئات التي لها صفة تمثيلية، نظراً لصعوبة إجراء انتخابات عامة في فلسطين بسبب قيام الحرب. وبناءً على ذلك، وجه رئيس وزراء الحكومة أحمد حلمي عبد الباقي، الدعوة إلى 151 شخصية لتأليف المجلس الوطني. وشملت الدعوة الهيئات التالية:
الهيئة العربية العليا، أعضاء الوزارة، رؤساء المجالس البلدية، رؤساء المجالس المحلية والقروية، رؤساء الغرف التجارية، معتمدي اللجان القومية، رؤساء نقابات الأطباء والصيادلة والمحامين والمهندسين، رؤساء القبائل والعشائر، أعضاء الوفود السياسية التي مثلت البلاد، رؤساء الأحزاب السياسية، ممثلي الهيئات الطائفية كالمجلس الإسلامي الأعلى واللجنة التنفيذية الأرثوذكسية واتحاد الكنائس المسيحية
وقد اعُتبر المؤتمر أقرب ما يكون إلى الصفة التمثيلية للشعب الفلسطيني، حيث:-
- اعترف عرب فلسطين بالهيئة العربية العليا ممثلةً لهم، كما اعترفت بذلك الحكومات العربية والحكومة البريطانية وهيئة الأمم المتحدة.
- آخر انتخابات للمجالس البلدية والمجالس المحلية والقروية في فلسطين جرت في سنة 1946/1947م.
- تكونت اللجان القومية في أواخر سنة 1947م، وأوائل سنة 1948م، بمعرفة أهل المناطق التي أسست فيها وباتفاقهم وبموجب نظام خاص وضع من قبل الهيئة العربية العليا.
- تمثيل كافة شرائح المجتمع وخاصة المثقفة بواسطة النقابات المهنية والأحزاب السياسية والممثليات الطائفية، وممثلي الوفود السياسية، ورؤساء العشائر.
وأعلن المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في مدينة غزة في الأول من أكتوبر 1948م، قرار استقلال فلسطين كلها استناداً إلى الحق الطبيعي والتاريخي للشعب العربي الفلسطيني
أقر المجلس الوطني الفلسطيني نظاماً مؤقتاً لحكومة عموم فلسطين. يقضي بتأليف الحكومة من مجلس وطني له رئيس (الحاج أمين الحسيني) ونائبين يولفون معاً المجلس الوطني. بالإضافة إلى مجلس وزراء ومجلس أعلى يتألف من رئيس المجلس الوطني رئيساً ورئيس مجلس الوزراء (أحمد حلمي عبد الباقي). ورئس المحكمة العليا أعضاءً، وتشكيل مجلس للدفاع الوطني من رئيس المجلس الوطني ورئيس الوزراء ووزير الدفاع الوطني. وتم تحديد صلاحيات بروتوكولية للمجلس الأعلى
أما بخصوص عاصمة الدولة العربية فقد أكدت (المادة 14) على أن “مدينة القدس هي عاصمة الحكومة ويحق للوزارة بموافقة رئيس المجلس الوطني اختيار مركز أخر للحكومة”، وأن تستقر الحكومة مؤقتا في مدينة غزة.
وهكذا نشأ النظام السياسي الفلسطيني الأول. وبعد أيام من تشكيل الحكومة قامت الحكومة المصرية باستدعاء أمين الحسيني إلى مصر. وفرض الإقامة الجبرية عليه، فانتقل معه مجلس الوزراء وأقاموا مقراً للحكومة في القاهرة. وأما الجامعة العربية فقد طالبت بالإبقاء على حكومة عموم فلسطين. شريطة أن يقتصر تشكيلها على رئيس الحكومة أحمد حلمي وسكرتيرها العام جميل السراج وأربعة موظفين. هم تحسين الحوت وعبد الفتاح الشريف وإحسان سرور وأديب الأنصاري. أما وزراء حكومة عموم فلسطين فذهب كل واحد منهم إلى عمله الخاص به. ومنذ عام 1949 بدأت الجامعة العربية تتخلى تدريجيا عنها. وهكذا لم توجه لها الدعوة في نفس السنة. وأهملت جميع تقاريرها ومشاريعها وطالبتها بالقروض والمساعدات. ومن جهة ثانية صدر عن حكومة عموم فلسطين منذ نشأتها عام 1948 وحتى 1954 هو حوالي (11400) جواز سفر فلسطينى.
ثانياً: الضفة الغربية في العهد الأردني 1967-1948
ومن جانب آخر عقدت عدة مؤتمرات فلسطينية مثل مؤتمر عمان في 1948/10/1 ومؤتمر أريحا في 1948/12/1 ومؤتمر رام الله في 1948/12/26 ومؤتمر نابلس في 1948/12/28 أفضت إلى قرارات تطالب بوحدة فلسطينية أردنية ومبايعة الملك عبدالله على الدولة الجديدة والموحدة. وفي 24 نيسان/ابريل 1950 أصدر مجلس النواب الأردني الموحد قرار الوحدة الأردنية الفلسطينية والذي جاء فيه:
تأييد الوحدة التامة بين ضفتي الأردن الشرقية والغربية واجتماعها في دولة واحدة هي المملكة الأردنية الهاشمية وعلى رأسها حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله بن الحسين. وذلك على أساس الحكم النيابي الدستوري والتساوي في الحقوق والواجبات بين المواطنين. وبذلك أصبحت الضفة الغربية جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية، فكان هناك دستور واحد للضفتين ومجلس نواب واحد ومجلس أعيان واحد ووزارة واحدة. وطبقت القوانين والأحكام على أهالي الضفتين، وصدر قانون الجنسية عام 1954. لقد ظلت الضفة الغربية بعيدة عن النظام السياسي الفلسطيني، وخاضعة للنظام السياسي الملكي الأردني رسميا حتى أصدر الملك حسين ابن طلال، في 31 تموز/يوليو 1988 قرار فك الارتباط القانوني والإداري بين الضفة الغربية والأردن. والذي ألغاه من بعده الملك عبد الله الثاني فور تقلّده الحكم.
ثالثاً: قطاع غزة في العهد المصري 1967-1948
على أثر هزيمة الجيوش العربية في حرب 1948 احتفظت السلطات المصرية بقطاع غزة منذ ذلك التاريخ (وحتى حرب الخامس من حزيران/يونيو 1967). وفي أعقاب التوقيع على اتفاقية الهدنة الإسرائيلية المصرية في شباط عام 1949 في جزيرة رودس ألحق قطاع غزة رسميا لإدارة الحكومة المصرية التي تولت بعد ذلك وبتكليف رسمي من الجامعة العربية إدارة المناطق الفلسطينية الخاضعة لرقابة القوات المسلحة المصرية والتي أصبحت تعرف فيما بعد باسم قطاع غزة. فبموجب هذا التكليف أصبحت الحكومة المصرية مسؤولة عن شؤون القطاع ومن بينها الشؤون القانونية والدستورية.
فمنذ نهاية حرب 1948 وحتى حرب الخامس من حزيران/يونيو 1967 تولى الحاكم الإداري العام” المصري (والذي سمي بعد عام 1962 بالحاكم العام لاتساع صلاحياته وعدم حصرها في الأمور الإدارية) الإشراف على إدارة القطاع كإقليم تمارس عليه الدولة المصرية سلطة إدارية نيابة عن الفلسطينيين. لم تضم الحكومة المصرية القطاع إلى مصر قط. وبهذا لم يكن القطاع يوما ما جزءا من أراضيها وبالتالي لم تطبق عليه القوانين المصرية.
لقد استمر العمل في القوانين والتشريعات التي كان معمولا بها في النظام السياسي الفلسطيني في فلسطين أثناء فترة الانتداب البريطاني. وكان الحاكم الإداري العام مخولا بكافة الصلاحيات والسلطات التي كانت مخولة للمندوب السامي البريطاني. وبسلطة إصدار أوامر لها قوة القانون بهدف تنظيم مختلف جوانب الحياة العامة في القطاع. لقد ظهرت هذه السلطات والصلاحيات بعد التوقيع على اتفاقية الهدنة مع إسرائيل في شباط/فبراير 1949. حيث أعلن الحاكم الإداري العام المصري أن قطاع غزة منطقة عسكرية محكومة بقوانين الطوارئ واتخذت عدة إجراءات منع بموجبها العمل السياسي الفلسطيني المستقل أو إقامة كيان فلسطيني مستقل، ويتضح ذلك من خلال:
- ضغط السلطات المصرية على الحاج أمين الحسيني وعلى حكومة عموم فلسطين وعلى مؤسساتها وإجبارهما على الانتقال من غزة إلى القاهرة بالقرب من مقر الجامعة العربية.
- إلحاق المؤسسات الفلسطينية المستقلة والقوات العسكرية الفلسطينية بالدولة المصرية.
- استبدال العملة الفلسطينية بالعملة المصرية والهوية الفلسطينية التي أصدرتها حكومة عموم فلسطين بالهوية المصرية.
- فرض قيود صارمة على السفر من وإلى القطاع إلا بتصريحات خاصة وبعد دفع مالية باهظة. ومنع اللاجئين الفلسطينيين من العمل في مصر، إلى أن طرأ تحسن ملحوظ على الوضع بعد إصدار السلطات المصرية عام 1960 وثائق سفر للاجئين الفلسطينيين مما سمح لهم بالسفر إلى دول الخليج للعمل.
ومن أجل تنظيم الأوضاع السياسية والقانونية في قطاع غزة أصدرت الحكومة المصرية في 11 أيار/مايو 1955 القانون الأساسي لقطاع غزة رقم (255)، والنظام الدستوري لقطاع غزة في 5 آذار/مارس1962 .
لقد نص النظام الدستوري على تشكيل مجلس تشريعي بطريق الانتخاب منهم (22) عضوا ينتخبهم الاتحاد القومي من بين أعضائه المنتخبين. ويختار الحاكم العام عشرة أعضاء آخرين من بين أعضاء الاتحاد القومي من ذوي الكفايات الضرورية كالمحامين والأطباء وغيرهم، فأصبح بذلك العدد (32) عضوا. كما أضيف أعضاء المجلس التنفيذي التسعة بحكم وظائفهم. ليصبح بذلك عدد أعضاء المجلس التشريعي (41) عضوا. ولقد اختار هذا المجلس التشريعي في أول جلسة له في مدينة غزة (مقر المجلس التشريعي) في 1962/6/23 الدكتور حيدر عبد الشافي رئيسا له إلى أن استقال ليتفرغ لعمله الجديد كنائب لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية التي تشكلت في القدس 1964.
لقد مارس المجلس التشريعي صلاحياته لمدة ثلاث سنوات من 1962/6/23 وحتى 1965/6/22 إلى أن أصدر عدة قوانين في مجالات مختلفة. مثل قوانين أصول المحاكم للأحوال الشخصية والمواريث وضريبة الدخل والخدمة الوطنية والضرائب الأخرى. ولم يقم الحاكم العام بتعطيل أي قانون أصدره المجلس التشريعي. بل على العكس صادق عليها جميعا دون اعتراض.
وطبقا (للمادة 41) لا يجوز للمجلس التشريعي أن يصدر قرارا إلا إذا حضر الجلسة أغلبية أعضائه. وفي غير الحالات التي تشترط فيها أغلبية خاصة تصدر القرارات بالأغلبية المطلقة لأصوات الأعضاء الحاضرين. وعند تساوي الأصوات يرجح رأي الجانب الذي منه الرئيس. لكن (المادة 42) أعطت الحاكم العام حق النقض (الفيتو) على أن “لا يصدر قانون إلا إذا قرره المجلس التشريعي وصدق عليه الحاكم العام”.
في نفس الوقت أعطت (المادة 44) أعضاء المجلس التشريعي الحق في توجيه الأسئلة إلى أعضاء المجلس التنفيذي كنوع من أنواع الرقابة على أعمال المجلس التنفيذي (الحكومة). وهذا أمر لم يكن موجودا في القانون الأساسي لسنة 1955.
الأمر الآخر الجديد في النظام الدستوري لسنة 1962 هو عدم قدرة الحاكم العام اعتماد “مشروع الميزانية إلا بعد أن يبدي المجلس التشريعي رأيه فيها”. (المادة 66).
لقد عالج النظام الدستوري لسنة 1962، في الفصل الرابع منه، أحكام السلطة القضائية. حيث أكد على استقلالية القضاء وعلى كيفية تأليف المحكمة العليا وسلطاتها في إلغاء القرارات الإدارية متى كان مرجع الطعن فيها عدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة القوانين واللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها أو الانحراف في استعمال السلطة.
وعندما انتهت المدة القانونية لولاية المجلس التشريعي في 1965/6/22 رفضت الحكومة المصرية السماح بانتخاب مجلس تشريعي جديد. وذلك بسبب مطالبة المجلس التشريعي بتوسيع صلاحياته وبوضع دستور أكثر ديمقراطية وفعالية. حتى يتمكن من أن يكون سيد نفسه ويفرض رقابته على المجلس التنفيذي (الحكومة). من جانب آخر كان لتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 الذي جاء بمباركة وتأييد من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. دور في عدم السماح بانتخابات جديدة لتشكيل مجلس تشريعي. لقد أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية هي النظام السياسي الفلسطيني الجديد. وممثل الشعب الفلسطيني والناطق باسمه والمجلس الوطني الفلسطيني أصبح يمثل جميع أبناء الشعب الفلسطيني.
بعد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، أصبح أهالي قطاع غزة يتجهون بأنظارهم إلى منظمة التحرير الفلسطينية. قائدة نضالهم الوطني وممثلة للشعب الفلسطيني.
دخل ثلاثون عضوا من قطاع غزة المجلس الوطني الفلسطيني. كان نصفهم من أعضاء المجلس التشريعي للقطاع والنصف الآخر كان من أعضاء الاتحاد القومي. بذلك أصبح ممثلو قطاع غزة جزءا من ممثلي شعب فلسطين.
ولهذا قامت الحكومة المصرية بعد انتهاء مدة المجلس التشريعي عام 1965 بتجميد العمل بالنظام الدستوري. وأعطت الحاكم العام ومجلسه التنفيذي الذي يرأسه حرية إصدار القرارات والسياسات المناسبة. إلى أن جاءت حرب الخامس من حزيران/يونيو 1967 التي وضعت حدا للإدارة المصرية في قطاع غزة. هذه الإدارة التي مكنت قطاع غزة من أن يشكل كيانا سياسيا شبه مستقل أشبه بالدولة. ومن أن يمتلك مجلسا تشريعيا وسلطة قضائية مستقلة ومجلسا تنفيذيا. وفتحت أبواب الجامعات والمعاهد المصرية لطلبة قطاع غزة. هذا بالإضافة إلى منحها سكان قطاع غزة حقوقا متساوية مع أبناء الشعب المصري في العمل والتملك.
مرجع: عثمان محمود أحمد وآخرون، التربية الوطنية، منشورات جامعة القدس المفتوحة، 2010م، ص 48 – 53