جُــــــــنْدُ التَّحــــــرِيــــــــر

وليتبروا ما علوا تتبيرا

جُــــــــنْدُ التَّحــــــرِيــــــــر

د. نصر فحجان – غزة
ويسأل سائلٌ:
كيف ستُحرَّر فلسطين من هذا الاحتلال القويّ والمدعوم من الغرب، ومن العرب والمسلمين كذلك؟
ومن سيكون هؤلاء العباد الذين سيبعثهم الله تعالى لدخول بيت المقدس، وتحرير الأقصى، وإزالة الإفساد الإسرائيلي في الأرض؟ هل سيأتون من خارج فلسطين؟
أم هم أهل فلسطين؟
أم إنّهم من خارج فلسطين ومن داخلها؟
فلنستعرض هذه النصوص والأحاديث الصحيحة، لنَصِل معًا إلى إجابة هذه الأسئلة:
1. عن أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأواء حَتّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: « بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ).
2. عن معاويةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: (لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ).
3. عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ).
4. عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرُّهم مَنْ خالفهم، إلا ما أصابهم من لأواء، فهم كالإناء بين الأكَلَة، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس).
5. عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تبرح عصابة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين، لا يبالون خذلان من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله على ذلك).
6. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوّل هذا الأمر نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم يكون مُلكًا ورحمة، ثم يتكادَمُون عليه تكادُم الحُمُر، فعليكم بالجهاد، وإنَّ أفضل جهادكم الرباط، وإنَّ أفضل رباطكم عَسْقَلان)
ومن خلال استعراض الأحاديث السابقة وغيرها على اختلاف رواياتها، نجد أنّها تتحدث في مجموعها عن طائفة من أمّة النبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم تتَّصف بما يلي:
أولًا: صفة الاستمرار، وعدم اليأس، وهذه الصفة نأخذها من التعبير: (ولا تزال) و(يظلُّون)، فهم مستمرون في صبرهم ومقاومتهم بلا توقُّف.
ثانيًا: الظهور على الحق، والدفاع عنه، والتمسك به، وهو الذي عبّرت عنه بعض الأحاديث بلفظ (الدِّين)، فهو ظهور دين، وفكرة حق.
ثالثًا: قهر الأعداء (لعدوِّهم قاهرين) بمقاومتهم لليهود وجهادهم وقتالهم، وإيقاع النكاية في صفوفهم، وإضعافهم، وقضِّ مضاجعهم، فلا تقرُّ لهم عين، ولا يهنأ لهم عيش، ولا تستقرُّ لهم إقامة..
ولا نتصوَّر أنْ يكون للعرب المُطبِّعين مع الاحتلال (الإسرائيلي)، والذين يعترفون به وبشرعيته، أيُّ دور في عملية زوال (إسرائيل)، ولا نتصور أنَّ هذه الأنظمة التي تربطها اتفاقيات سلام مع (إسرائيل) أنْ تسمح لشعوبها وجيوشها بالمشاركة في معارك التحرير والتَّتبير، فنحن قد رأينا بأنفسنا مواقف هذه الأنظمة من الحروب على غزة، فهي لم تكتفِ بأنْ تكون متفرِّجة على قتل أبناء فلسطين، بل إنَّها كانت في مواقفها العملية تحاصر الشعب الفلسطيني في غزة، وتساند الاحتلال (الإسرائيليّ) بالمال، والبترول، والمعلومات الأمنية، والتغطية السياسية، والتطبيع، فلنْ يكون لها شرف المشاركة في تحرير فلسطين، بلْ ستظلُّ هذه الأنظمة رمزًا للخذلان الذي تتحدث عنه الأحاديث النبوية الصحيحة، حتى يأتي أمر الله بزوال حقبة الحكم الجبري، وكنس هؤلاء إلى مزابل التاريخ.
ثمَّ إنَّ سُنَّة الله الماضية لن تتخلَّف بإذن الله تعالى، فالله تعالى يقول: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين)، وأعتقد أنَّ الله تعالى سينصر هذه الفئة المؤمنة الصابرة والمرابطة في بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس، وعسقلان، بإذن الله تعالى.
رابعًا: (لا يضرُّهم خذلان القريب، ولا مخالفة البعيد)، بل يظلُّون في طريقهم، مع بقاء الخذلان والمخالفة لهم من القريب والبعيد، لتحقيق أهدافهم في الجهاد والرباط من أجل التحرير، وإقامة الخلافة الإسلامية، لتكون السيادة لشريعة الله.
خامسًا: (شدَّة ما يصيبهم من اللأواء، والصبر على الأذى والحصار والتّضييق)، وليس أدَلَّ على ذلك من هذا الحصار الخانق الذي تتعرَّض له غزةُ ومقاومتُها، والتي تقع إلى الجنوب من عسقلان أفضل الرباط، فإنّ (إسرائيل) تمارس ضدَّها كلَّ أشكال الظلم السياسي، والاقتصادي، والعسكري، فتغلق في وجهها المعابر، وتشنّ عليها الحرب تِلْوَ الحرب، وتمنع عنها مقوِّمات الحياة الإنسانية، هي وعملاؤها من بني جلدتنا أو قوميِّتنا.
وشبيهٌ به ما يحدث لأهل الضفة الغربية من الظلم الذي لا يتوقف، ففي كلِّ مكانٍ (مستوطنةٌ إسرائيلية)، أو جدار، أو حاجز، وهناك اعتقالات يومية، وقتل، وتعذيب، واقتلاع للأشجار، ومصادرة للأراضي، وهدم للبيوت.
ويتعرض لنفس الخنْق والمحاسبة البوليسية العنصرية أهل فلسطين (الداخل) في أرض (48)، الذين يواجهون التمييز العنصري بأبشع أشكاله وصوره على أيدي اليهود المفسدين، الذين يلعنهم الله، ويلعنهم اللاعنون.
سادسًا: بقاء الخذلان من القريب، والمخالفة من البعيد، حتى يأتي أمر الله، وهذا نجده في قوله عليه الصلاة والسلام: (يظلُّون كذلك حتى يأتيهم أمر الله) .
سابعًا: تحالف الأعداء من الكفار والمنافقين عليهم، فهم كالإناء بين الأكلة، وهذا لا يخفى على كلِّ ذي عقل وعَيْن، فها هو العالم الظالم يقف مع (إسرائيل) ضدَّنا نحن الصابرين المجاهدين في فلسطين، وتتسابق الذئاب للنهش من لحومنا، دون أنْ نتراجع أو نيأس، تحقيقًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: عن واثلة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (… فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وأهله).
ثامنًا: وجود هذه الطائفة في فلسطين: (بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس، وعسقلان)، فهم في فلسطين، وهم الذين يسوؤون الآن وجوه اليهود، وهم الذين سيدخلون المسجد الأقصى، وهم الذين سيتبِّرون ما عَلَوْا تتبيرًا بإذن الله تعالى.
إنَّ هذه الصفات المذكورة في الأحاديث النبوية الصحيحة لا يتَّصف بها كلِّها إلا أهل فلسطين الذين يعيشون على أرض فلسطين في بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس، وعسقلان (غزة).
وهم الذين سيكون على أيديهم دخول بيت المقدس وتحريره عندما يأتيهم أمر الله، وهو قريب بإذن الله تعالى.
لكنَّنا في الوقت نفسه لا نستبعد مشاركة بعض المسلمين من خارج فلسطين في معارك التحرير والتَّتبير، ولكنَّ هذه المشاركات ستكون مشاركات فردية وشخصية، وليست جماعية، بسبب مواقف الحكومات والأنظمة العربية والإسلامية التي تساند (إسرائيل)، وتعمل على حمايتها، بل وتعاقب من يقاومها، أو يدعو إلى مقاومتها.
إنَّ هذا يجعلني أميل إلى القول بأنَّ تحرير بيت المقدس وفلسطين سيكون من الداخل، على أيدي أهل فلسطين الذين يعيشون هذه الحال من الظهور على الحق، وقهرهم للأعداء، وخذلان القريب لهم، ومخالفة البعيد، والصبر على اللأواء والأذى، وانتظار أمر الله تعالى، وبقائهم في بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس، وعسقلان (غزة)، مرابطين صابرين، فهم رأس الحربة، وجند التحرير، في تحقيق وعد الآخرة، وزوال إفساد بني إسرائيل.