مركز الشرق للأبحاث و الثقافة

كيف تُستخدم ماكينة التضليل الإعلامي كأداة استراتيجية في إسرائيل ؟

مقدمة

التضليل الإعلامي يُعتبر واحدًا من أقوى الأسلحة التي تُوظفها إسرائيل في صراعاتها السياسية والعسكرية. هذه الاستراتيجية تتجاوز مجرد نشر معلومات زائفة؛ إذ تُستخدم لخلق واقع بديل يخدم مصالحها على المستويين المحلي والدولي. من خلال استغلال الإعلام التقليدي والرقمي، تُعيد إسرائيل تشكيل السرديات التاريخية والسياسية لتبرير أفعالها وإخفاء انتهاكاتها.

في هذا المقال، سنتناول أساليب التضليل الإعلامي الإسرائيلي بالتفصيل، أهدافه، الأدوات المستخدمة، وتأثيره على الرأي العام العالمي، بالإضافة إلى طرق التصدي لهذه الممارسات.

ماكينة التضليل الإعلامي: الأهداف الرئيسية

  1. إعادة تشكيل الرواية التاريخية

تسعى إسرائيل لتغيير الروايات التاريخية المتعلقة بالقضية الفلسطينية من خلال:

  • إنكار الحقوق التاريخية للفلسطينيين في الأرض.
  • إعادة تقديم النكبة كـ”استقلال” بدلًا من مأساة إنسانية.
  • تحويل سرديات الاستيطان إلى مشروع “إعادة بناء الوطن اليهودي”.
  1. تبرير الأعمال العسكرية

كلما تصاعدت الاعتداءات العسكرية، تُطلق إسرائيل حملات تضليل تصور عملياتها بأنها دفاع عن النفس، متجاهلة الحقائق المتعلقة بالاستيطان والحصار.

  1. شيطنة المقاومة الفلسطينية
  • تُظهر المقاومة كأعمال “إرهابية” موجهة ضد المدنيين.
  • تتجاهل السياق السياسي والإنساني الذي أدى إلى المقاومة، مما يُشوه صورتها أمام العالم.
  1. كسب تعاطف الشعوب الغربية
  • يتم تقديم إسرائيل كدولة صغيرة “محاصرة” تواجه تهديدات وجودية، بينما يتم إخفاء قوتها العسكرية المتفوقة.
  1. إضعاف الرواية الفلسطينية عالميًا

من خلال السيطرة على وسائل الإعلام الكبرى، تُقلل إسرائيل من انتشار الرواية الفلسطينية وتهمشها.

أبرز أدوات التضليل الإعلامي الإسرائيلي

  1. الإعلام التقليدي
  • تُسيطر إسرائيل على سرديات كبرى القنوات الإخبارية الدولية، مما يضمن بقاء روايتها في مقدمة الأخبار.
  • يتم استضافة مسؤولين ومتحدثين إسرائيليين كـ”خبراء” لتقديم وجهات نظر منحازة.
  1. وسائل التواصل الاجتماعي
  • التلاعب بالخوارزميات: تعمل إسرائيل على نشر محتواها عبر حملات رقمية ضخمة تؤدي إلى تصدر روايتها على المنصات.
  • استهداف النشطاء: تقوم بحظر أو تعطيل الحسابات التي تدافع عن القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى شن هجمات إلكترونية منظمة ضدها.
  1. الأفلام والدراما
  • تركز على تصوير الإسرائيليين كأبطال مضطهدين يسعون للسلام، بينما يتم تقديم العرب والفلسطينيين كعدائيين.
  • يتم عرض هذه الأفلام والمسلسلات بشكل واسع في الغرب لتعزيز الرواية الإسرائيلية.
  1. الخطاب السياسي
  • تستغل إسرائيل المؤتمرات الدولية مثل الأمم المتحدة لتكرار الروايات المضللة أمام جمهور عالمي، مدعومة بإحصائيات مغلوطة أو مشوهة.
  1. المراكز البحثية والدراسات
  • تعتمد على مراكز أبحاث تابعة لها أو متحالفة معها لنشر أوراق بحثية تعزز روايتها وتدحض الروايات المناهضة.
  • تُصدر تقارير تُركز على إنكار وقوع أي انتهاكات إنسانية.

استراتيجيات التضليل الأكثر شيوعًا

  1. التلاعب بالمصطلحات
  • استبدال مصطلحات مثل “الاحتلال” بـ”الدفاع”.
  • استخدام عبارات مثل “الأمن القومي” لتبرير الاعتداءات العسكرية.
  1. خلق أخبار زائفة
  • نشر تقارير وهمية عن هجمات فلسطينية لتبرير ردود فعل عسكرية.
  • إطلاق شائعات لتشتيت الانتباه عن الأحداث الحقيقية.
  1. تغييب السياق
  • تصوير الأحداث على أنها وقائع منفصلة دون الإشارة إلى جذور المشكلة مثل الاحتلال والاستيطان.
  1. تقزيم الانتهاكات
  • التركيز على قضايا جانبية أو أحداث صغيرة لتغطية انتهاكات أكبر مثل الاستيطان وهدم المنازل.

تأثير التضليل الإعلامي الإسرائيلي

  1. تشويه صورة القضية الفلسطينية

تساهم هذه الحملات في إضعاف الدعم العالمي لفلسطين، خاصة في الأوساط الغربية، مما يُعقد الجهود السياسية والإنسانية لنصرة القضية.

  1. تطبيع الاحتلال

من خلال السيطرة الإعلامية، يتم تقديم الاحتلال كأمر واقع لا يمكن تغييره، مما يُحبط أي تحركات دولية فعالة لإنهائه.

  1. تعزيز الدعم السياسي لإسرائيل

تُترجم هذه الحملات إلى دعم سياسي واقتصادي كبير من دول كبرى مثل الولايات المتحدة وأوروبا.

كيف نواجه ماكينة التضليل؟

  1. تعزيز الوعي الإعلامي
  • نشر الحقائق من خلال وسائل الإعلام المستقلة.
  • توعية الجمهور بكيفية التحقق من الأخبار والمصادر.
  1. استخدام الإعلام الرقمي
  • إنشاء حملات مضادة على وسائل التواصل الاجتماعي تفضح المعلومات المغلوطة.
  • تعزيز الرواية الفلسطينية باستخدام مقاطع فيديو وصور توضح الواقع.
  1. التوثيق والمشاركة
  • تقديم تقارير موثقة عن الانتهاكات إلى المؤسسات الدولية.
  • التعاون مع صحفيين أجانب لنشر قصص واقعية عن القضية الفلسطينية.
  1. تعزيز الإنتاج الإعلامي الفلسطيني
  • إنتاج أفلام وثائقية ومواد مرئية تجذب انتباه الجمهور العالمي.
  • دعم المبدعين الفلسطينيين لتقديم قصصهم بأسلوب مؤثر.

الخاتمة

التضليل الإعلامي الإسرائيلي ليس مجرد حملات مؤقتة، بل هو نهج استراتيجي طويل الأمد يُوظف لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية. ومع ذلك، فإن الحقيقة تظل أقوى سلاح إذا تم استغلالها بشكل صحيح. من خلال التوعية، التنظيم، والتوثيق، يمكن فضح هذه الاستراتيجيات المضللة وكسب معركة الوعي العالمي لصالح القضية الفلسطينية.