هنية ورؤية حماس الثابتة
بين تغيير وظيفة السلطة … والمقاومة الشاملة
كتب: عماد عفانة
ثبّت اجتماع المكتب السياسي لحركة حماس الأخير في القاهرة أكتوبر 2021، رؤيتها السياسية الشاملة التي تتعلق بالمستقبل الفلسطيني العام.
وفي هذا الإطار جاءت كلمة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس في الندوة السياسية الإلكترونية “رؤية حركة حماس المستقبلية للنهوض بالمشروع الوطني الفلسطيني” التي يعقدها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات امس 3 نوفمبر 2021، لتعرض خطوطها العامة، كلمة وظف فيها امتلاكه لناصية اللغة، في تصويب البوصلة السياسة، فوضع هنية أهداف محددة، فأوضحت الكلمة الغرض من رفض اتفاق أوسلو – النكبة الفلسطينية الثانية- وأكد فيها رفض جميع الصيغ “الإسرائيلية” لاستمراره في أشكال أخرى، بل أعلن عن استعداد حماس لإبقاء السلطة ولكن بعد تغيير وظيفتها، لتصبح سلطة مقاومة، يشارك فيها الجميع من بوابة الانتخابات بمقاسات فلسطينية بحتة.
خطاب هنية، تناول مفاصل المشهد الفلسطيني، من السلطة الى المنظمة المعطلة، في إطار محاولات تصحيح المسار الفلسطيني لتصبح المنظمة مرة أخرى مظلة للكل الفلسطيني.
تدقيقا في خطاب هنية، نراه بوضح الأهداف السياسية المباشرة، محدداً حدود المرحلة الحالية، وراسما معالم المرحلة المستقبلية، مؤكدا أن الشعب الفلسطيني لا يبحث في هذه المرحلة عن دولة ولا عن سلطة تحت بساطير الاحتلال، ولكنه يريد التحرير، والمقاومة وسيلة وليست هدف، وفي الطريق إلى ذلك يجب اتاحة الفرصة للجميع للمشاركة في السلطة الي تدير شؤون الناس بعد تغيير وظيفتها، لتصبح سلطة مقاومة تسند صمود الشعب، لا سلطة تنسيق أمني تمثل كتيبة أمنية متقدمة في جهاز الشاباك.
تابع في هنية ورؤية حماس الثابتة
ورسم هنية خارطة طريق لتصحيح المشهد السياسي الفلسطيني، للوصول إلى نظام حكم مقاوم ينهي مرحلة “بقايا سلطة أوسلو”، وذلك من بوابة الانتخابات كعملية سياسية شرعية وضرورية وكفاحية، لإقامة سلطة مقاومة قادرة على الصمود والمساهمة في رسم معالم الانتصار.
لا يخفى على الجميع أن اتفاق أوسلو جاء في لحظة ضعف فلسطيني كبير، وتسبب في ادخال القضية الفلسطينية في مرحلة تيه سياسي، كان أبرز معالمها استبعاد شعبنا الفلسطيني في الخارج عن المشاركة في القضية الوطنية وفي النضال والمقاومة.
رغم امتلاك المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس، وجناحها المسلح كتاب الشيد عزالدين القسام لترسانة عسكرية صاروخية، قادرة على ضرب كل بقعة في كيان العدو، إلا أن إدراك حماس لقدرات شعبنا في مشروع التحرير، يدفعها لإبداء الاستعداد للدخول في مقاومة شعبية في الضفة الغربية تتطور إلى انتفاضة ضد الاحتلال الصهيوني، مواجهة شعبية مع كيان الاحتلال لا تمنع انطلاقها بجدية إلا سلطة التنسيق الأمني، لذا جاء تأكيد هنية على ضرورة تغيير وظيفة السلطة لتصبح سلطة وطنية حقيقية.
إن إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية ومشروعنا الوطني عربيا وإسلاميا ودوليا، يتطلب إعادة صياغة وظيفة السلطة الفلسطينية، لتصبح معول بناء لا هدم في مشروع التحرير، وحرص حماس على المشاركة في السلطة ليس هو هدف بحد ذاته، بقدر ما هو لضمان كونها سطلة مقاومة لا مساومة، ففك الارتباط بالكيان الصهيوني تترجمه مفردات إدارة الشأن الداخلي من واقع المقاومة لا المعايشة، وليس الاستسلام لخيار الاحتلال الذي يرمي لإجبارنا على إعلان دولة تحت الاحتلال قاعدتها قطاع غزة تحت شعارات المقاومة التي تدغدغ المشاعر، فيما نترك للاحتلال الاستفراد بابتلاع وتهويد الضفة الغربية المحتلة، الساحة الأوسع والأهم للصراع.
فالتحية التي وجهها هنية كقائد للمقاومة لأهلنا في القدس، وخاصة في الشيخ جراح الذين عبروا أمس عن موقف إسلامي عروبي، بتمسكهم ببيوتهم وبهذه الأرض، ورفضهم التسوية مع محاكم الاحتلال، هي في الواقع تحية لتشبث الشعب الفلسطيني وتمسكه بحقوقه التي لا تسلب تحت قوت النيران ولا تحت الدعم الخارجي للاحتلال.
فالقدس التي ينافحون عن البقاء فيها، هي بوصلة المعركة الوطنية، وكان يجب أن نخوض بكثير من الوسائل والأدوات التي نملكها معركة لإجراء الانتخابات فيها، للحيلولة دون الدخول في مأزق حقيقي أعادنا للمربع الأول.، إلا أن معركة سيف القدس التي شكلت تحولا مهما في الصراع مع الاحتلال، ووحدت الشعب الفلسطيني، وأعادت الاعتبار للقضية ببعدها العربي والإسلامي، شكلت تعويضا لتثبيت القدس كبوصلة للصراع وكقبلة للمقاومة والثورة.
وإدراك حماس الذي عبر عنه هنية في كلمته للمعادلات المعقدة والصعبة التي يراد رسمها في المنطقة، لجهة بناء تحالفات في المنطقة تتسيدها “إسرائيل” مع الدول التي تطبع معها، يفرض على الكل الفلسطيني الخلوص إلى رؤية شاملة ناضجة محددة تحمل الكثير من الطهارة السياسية، وتحمل الثقة بالذات على تغيير المعادلات، وافشال المؤامرات.
فالتناقض الرئيسي كشعب فلسطيني هو مع العدو الصهيوني، ما يفرض على الجميع تجسير ما لديه من برامج وأهداف وسائل، لتخدم الأهداف الجامعة لشعبنا وقضيتنا، على أساس تعزيز مبدأ الشراكة في بناء المؤسسات سواء القيادية والتمثيلية لشعبنا، أو في مناطق الحكم بالضفة وغزة، بما يخدم قدرتنا على بناء معادلات إيجابية في بعدنا الإقليمي والدولي، دون أن يكون ذلك على حساب الثوابت الفلسطينية.