في ذكرى استشهاده..من هو كمال عدوان؟
اسمه الأول (أحمد كمال )، ويلقب بأبو رامي وهو من مواليد قرية بربرة جنوب المجدل (عسقلان) والمشتهرة بالعنب المتميز، ولد في عام 1935 وهو ثالث أخويه: سعاد ومحمد علي، كان والده مقاولاً ومن وجهاء بربرة، لجأت العائلة إلى قطاع غزة أثناء حرب 1948 وأقامت في رفح مدة ستة أشهر ثم فضل والده الإقامة بغزة، وما لبث أن توفي فيها في عام 1952 فتولى أخوه الأكبر “محمد علي” مساعدته على إكمال دراسته الثانوية والجامعية.
درس كمال المرحلة الابتدائية في مدرسة بربرة وفي غزة أكمل دراسته الإعدادية في مدرسة الرمال الإعدادية التابعة لوكالة غوث اللاجئين، ثم انتقل إلى مدرسة الإمام الشافعي الثانوية وخلالها التحق بجماعة الإخوان المسلمين في عام 1952 متأثراً ببطولات الإخوان المسلمين في حرب 1948 وأعمالهم الفدائية بعدها، ورغبة منه في تحرير فلسطين وسلوك كل طريق تؤدي إلى هذا الهدف، وكان من زملائه في المدرسة والجماعة: غالب الوزير وخليل الوزير ورياض الزعنون.
ثم أكمل دراسته في مدرسة فلسطين الثانوية وخلالها اطلع على التناحر الحزبي على رابطة الطلبة الفلسطينيين بالقاهرة وبدء توجيه جماعة الإخوان المسلمين اهتمامها الأول ضد عبد الناصر إثر ضربه للجماعة بمصر في مطلع عام 1954 وجعلها الشأن الفلسطيني في المرتبة الثانية من اهتمامها، ولذلك اتجه إلى العمل الوطني، فكتب مشروعاً لتنظيم حركة وطنية في غزة وأرسله مع أحد أصدقائه إلى القاهرة ليطلع زملاءه في رابطة الطلبة عليه إلا أن المشروع ضبط واعتقل كمال لبضعة أيام([1]) ثم خضع لمراقبة وملاحقة المخابرات المصرية([2]).
التحق كمال بجامعة القاهرة في عام 1954 حيث دخل كلية الهندسة تخصص بترول ومعادن([3]) وفي نفس العام تعرف على ضابط المخابرات المصري اليوزباشي مصطفى حافظ بواسطة شقيق مصطفى حافظ(*) الذي كان زميلاً لكمال في الكلية، واستفاد من خبرته العسكرية حيث أمده بكتب وخرائط عسكرية واصطحبه في عمليات استطلاعية داخل الأراضي المحتلة، ومن هنا نشأت فكرة العمل المسلح الفدائي وأهميته في زعزعة استقرار وأمن إسرائيل في ذهن كمال، فشكّل مجموعة من إخوانه من جماعة الإخوان المسلمين ليقوموا بعماليات داخل الأراضي المحتلة([4]) منهم: خليل الوزير وحمد العايدي وعبد الله صيام([5]).
ودعا إلى أول اجتماع لإقامة تشكيل فلسطيني عريض غرضه تحرير فلسطين وأخْذ زمام المبادرة في العمل الفلسطيني من أيدي الحكومات والأحزاب العربية، حضره 12 شاباً كلهم من الإخوان المسلمين قرروا فيه الدعوة لفكرتهم داخل مختلف الأحزاب لمدة خمس سنوات يلتقون بعدها ليضعوا ميثاق حركته، وقد انطلقت عملياتهم الفدائية بعد هذا الاجتماع([6]) .
وكان من أهمها عملية تفجير سد زوهر في أوائل عام 1955 اشترك معه خليل الوزير وحمد العايدي، ومنع كمال من السفر حتى كانت الغارة الإسرائيلية على غزة في 28/2/1955 فانطلقت المظاهرات على إثرها تجوب شوارع قطاع غزة تطالب بالتجنيد والتسليح وقد شارك فيها كمال، وفي غمرة انشغال السلطات بهذه المظاهرات غادر غزة إلى مصر في 3/3/1955 ومنها إلى قطر([7])، حيث عمل مدرساً لسنة واحدة في عام 1955.
شارك كمال في المؤتمر التحضيري الأول لمؤسسي فتح في آذار/مارس 1956 بالقاهرة وقد تقرر تأجيل الإعلان عن التنظيم إلى عام قادم وأثناء ذلك تعاقد مع السعودية للعمل فيها مع ناشطين آخرين، ولما أعلن الرئيس عبد الناصر عن تأميم قناة السويس وزع بالاشتراك مع آخرين بياناً يحذر الغرب من مغبة الاعتداء على مصر مهددين بنسف آبار البترول التي تشرف عليها شركة آرامكو مما أدى إلى طرد ألف عامل فلسطيني كانوا يعملون لدى الشركة في الدمام والظهران([8]).
وفي 28/10/1956 عاد كمال إلى غزة ومع سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة تولى قيادة جماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة بهدف تشكيل مقاومة شعبية وشرع في الاتصال بشباب حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب والشاب المستقلين الذين انسحبوا من جماعة الإخوان المسلمين سابقاً وكان ممن فاوضوا الشيوعيين وإثر صدور بعض منشورات لهم واعتقالهم، اعترفوا في التحقيق على دور كمال في المقاومة الشعبية فهرب إلى مصر واتخذ من العريش مقراً خارجياً لدعم المقاومة الشعبية حتى خروج الاحتلال الإسرائيلي في 7/3/1957([9]).
وبعد عودة الإدارة المصرية في 14/3/1957 التقت نواة فتح في مؤتمر تحضيري ثاني بغزة([10])، وفي نفس العام توجه كمال إلى قطر للعمل في التدريس وتعرف فيها على محمود عباس وعبد الله الدنان ومحمد يوسف النجار، وهناك كتب قصة نضاله للفترة من 1954-1957([11])، والتي سماها “إرهاب وراء الحدود” وقد حرص فيها على عدم ذكر الأسماء صراحةً في معظم الأحيان خوفاً من وقوع المخطوطة في أيدي أعداء الحركة.
عمل مهندساً متدرباً في حقل البترول مع شركة أرامكو في الدمام في عام 1958، وأثناء ذلك شارك في وضع ميثاق فتح في أيلول/ سبتمبر 1958 مع عبد الفتاح حمود وسعيد المسحال وياسر عرفات وخليل الوزير وعادل ياسين وكان له دور طليعي في إرساء مبادئ فتح،وكان يطبع منشورات فتح الأولى بشكل سري على ماكينات الرينو الخاصة بشركة أرامكو مما يعد مخاطرة بعمله وبوجوده في السعودية([12]).
وبسبب تقطعه عن الدراسة للعمل المهني والسياسي فقد تخرج من الجامعة في عام 1961، وبعدها عمل في السعودية ثم انتقل مهندساً للبترول في قطر في عام 1963. وشارك في المجلس الوطني الفلسطيني منذ دورته الأولى في القدس 28/5-2/6/1964. كان يتنبأ منذ 1958 أن الثورة الفلسطينية ستنطلق وينطلق صوتها من إذاعة خاصة بها([13]).
وفي أيلول/سبتمبر 1968 ترك عمله في قطر وتفرغ للعمل في حركة فتح مسؤولاً عن الإعلام واتخذ من مدينة عمان مقراً له واستطاع أن يقيم جهازاً إعلاميا متطوراً له صحيفته وعلاقاته على الصعيدين الإعلامي العربي والدولي، اشترك في أحداث أيلول سنة 1970 ثم انتقل إلى جرش ودبين، ثم إلى دمشق وبيروت حيث عمل على إعادة بناء جهاز الإعلام التابع لحركة فتح([1]) كما شارك في تأسيس وكالة الأنباء الفلسطينية وفا([2]).
تابع في مقال في ذكرى استشهاده..من هو كمال عدوان؟
انتخب عضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح في مؤتمر الحركة الثالث في أيلول/سبتمبر 1971 وأوكلت إليه مسؤولية قطاع الأرض المحتلة (القطاع الغربي) والإشراف على النضال والعمل العسكري في الداخل، وربما كان ذلك سبباً رئيساً لحرص العدو على التخلص منه([3]).
ثم اختير عضواً في اللجنة التحضيرية لاختيار أعضاء المؤتمر الشعبي الفلسطيني الذي عقد في القاهرة خلال شهر آذار/مارس 1972.
استشهد في 10/4/1973 في شقته بشارع فردان ببيروت، حيث توجهت فرقة إسرائيلية لقتل كمال عدوان وكمال ناصر ومحمد يوسف النجار، وقد قاتل كمال مهاجميه حتى الرصاصة الأخيرة واستطاع أن يقضي على عدد منهم قبل استشهاده([4])، ومن حقد العدو الإسرائيلي عليه أطلقوا مائة رصاصة على جثته([5])، تاركاً وراءه زوجته وولديه دانا ورامي.
كان معتداً بنفسه كثيراً ولكن دون أن يشعر بذلك أحد إلا المجموعة الضيقة التي يعمل معها، عنيفاً في الدفاع عن رأيه ما دام مؤمناً به إلى أن يقنعوه بوجهة نظرهم، صامتاً لا يشارك في الأحاديث العامة إلا بتعليقات قصيرة لكنه داخل تنظيمه ثائراً مناقشاً يحلل حينما يحس بإيجابية النقاش، يمتلك سعة صدر في التعامل مع شباب الأحزاب الأخرى فهو غير متعصب لحزبه([6]).
تابع في مقال في ذكرى استشهاده..من هو كمال عدوان؟
مختارات من أقوال الشهيد:
-
بلد يعيش حياة الكفاح..تحركه إرادة القتال.. لا بد أن يعيد ترتيب الأمور فيه في السلطة والخطة والأدوات التي ستقوم على هذه الخطة بشكل يضمن الانسجام مع إرادة القتال.. والحياة القتالية التي يعيشها حتى يستطيع أن يمارس كفاحه.. ويحقق به أهدافه في التحرير. ([1])
-
نريد أن نبني بلدا مقاتلا، كل ما فيه مقاتل؛ مقاتل بشعبه، مقاتل بجيشه، مقاتل باقتصاده، مقاتل بإعلامه. بلد يعيش حياة القتال حتى يكون قادرا على تصفية الاحتلال. يلزم أن نتفق بداية وبوضوح: هل نحن فعلا نريد أن نقاتل؟ هل نحن فعلا نريد أن ننتصر؟… إذا اتفقنا جميعا على هذا، يومها يلزم أن يُعاد ترتيب الأمور بهذا الشكل وفي هذا الاتجاه، ويومها لن يكون هناك مشكلة وسنكون جميعا شعبا واحدا في صف واحد بلا حذر.. بلا خوف.. صفا واحدا قادرين على أن نسحق كل مغامر أو متآمر يريد أن يربك المسيرة النضالية لشعبنا من أية جهة.. من أي طرف، فيومها لن يكون هناك أطراف، سنكون طرفا واحدا، نسير بالبلد إلى أهدافه في التحرير. ([2])
-
تحت راية القتال.. يتحول العميل إلى وطني.. وباسم القتال نصفي إرادة التصدي والمواجهة.. وتحت اسم القتال تتم ترتيبات التسوية.. وتسوية التسوية.. والتنازلات.. ([3])
-
لقد أن للعقل العربي الرسمي المخدر، والذي تتحكم فيه إرادة العجز، والاستسلام، في انتظار العطف الأمريكي.. أن يستيقظ، ويعيد حساباته بشكل منطقي ومعقول، ويعيد فيه التأكيد على مفاهيمه وقضاياه الأساسية، وترتيب أولياته. في هذا المجال لا بد أن يكون واضحا:- أولاً: أن تصفية الاحتلال لا يمكن أن يكون بالتفاهم معه. ثانياً: أن الاتجاه إلى التسوية هو تجاهل أعمى لحقيقة فلسفة الوجود الإسرائيلي وطموحه في المنطقة، وما يشكله من خطورة على الأمن القومي ومستقبل الوجود العربي. ثالثاً: أن أي إرادة قتال حقيقية يكون لها تحالفات وخصائص من طبيعة تتلاءم وإرادة القتال هذه. ويجب إخضاع كافة الترتيبات لحساب هذه الإرادة. رابعاً: الكفاح المسلح هو التعبير الحقيقي عن إرادة القتال وهو المدخل الوحيد لتعبئة إرادة الأمة وتنظيمها وتحقيق وحدتها([4]).
-
الذين ينطلقون من فرضية التسوية كحقيقة ممكنة وجادة ومسلَّم ٌ بها.. ويرتبون أوضاعهم على أساس هذه الفرضية، لا يعود أمامهم إلا أن يساوموا، وتظل القضية كم يستطيعون أن ينالوا من العطف الأمريكي الذي يحكم المنطقة ويصنع التسوية.. هؤلاء لا يعود أمامهم إلا أن يركعوا من أجل التفاهم مع الاحتلال. والذين ينطلقون من فرضية أخرى مناقضة تماما تقول بمنع التسوية والتصدي للاحتلال ..هؤلاء ليس لهم علاقة بموازين القوى الدولية.. علاقتهم الوحيدة مع قدرة الفعل المحلية التي يمكن أن يصنعوها هم بأنفسهم من خلال تحريك إرادة القتال الجماهيرية لدى شعوبهم.. لتتحول هذه الإرادة إلى فاعل حقيقي.. قد تكون هذه القدرة محدودة الآن، ولكنها بالتأكيد لا يمكن السيطرة عليها، أو تقييدها، أو تجاهل إرادتها، وهي مؤهلة لأن تنمو وتتطور وتتزايد، ويتزايد فعلها وقدرتها على أن تحكم الحدث أو تشارك فيه.. ولا تعود في حاجة لمن يعطف عليها…. ولكنها بحاجة إلى الفهم([5]).
-
استمرار الثورة يعني لا تسوية. تمرير التسوية يعني تصفية الثورة. بالتالي نحن أمام واجبات: أن تستمر الثورة حتى لا تمر التسوية. حتى تستمر الثورة مطلوب تحقيق شروط. أما الشروط لاستمرار أية ثورة وطنية فهي شرطان: (1) وجود احتلال تواجهه مقاومة تدفع بالجماهير لتتبنى برنامج ثورة. (2) قيام سلطة وطنية تتبنى برنامج الثورة، وتدفع بجماهيرها لتتبنى برنامج الثورة، وتقوم هي بتحمل مسئولية نتائج هذا التبني([6]).
([1])كمال عدوان، فتح الميلاد والمسيرة،( بيروت: م ت ف الإعلام الموحد، 1974م)ص 64.
([3]) المصدر نفسه، ص 100. وكان حديثه عن تهافت الأنظمة العربية على السلام على حساب الشعب الفلسطيني، وتحت عباءة الحشد والاستعداد لمقاتلة العدو.
([6]) المصدر نفسه، ص 147-148. وكان قد قدّر أن المكان المرشح لإقامة السلطة الوطنية هو الأردن.
([2]) محمد حمزة، أبو جهاد، ص252.
([3]) الموسوعة الفلسطينية، ق1ج3،ص661؛ حسن خليل حسين، مع الخالدين، نيسان 1996 ص120-1.
([6]) عدوان، إرهاب وراء الحدود، ص55-56.
([1]) أنظر عن اعتقاله: عدوان، إرهاب وراء الحدود، ص56.
([2]) سليم الزعنون، مقابلة شخصية، في عمان في 8/12/1997م.
([3]) هيئة الموسوعة الفلسطينية، الموسوعة الفلسطينية-القسم الأول، (بيروت: هيئة الموسوعة الفلسطينية، 1982، مجلد 3 ص661 (مادة ك- كمال عدوان).
(*) تعمّد كمال عدوان أن يذكره في كتاب (إرهاب وراء الحدود)، باسم اليوزباشي مصطفى عبد الرحيم.
([4]) عدوان، إرهاب وراء الحدود، ص60-61.
([5]) الوزير، حركة فتح بدايات، ص17-18.
([6]) عدوان، إرهاب وراء الحدود، ص60-61.
([7]) عدوان، إرهاب وراء الحدود، ص22.
([9]) منظمة التحرير الفلسطينية، “الذكرى الأولى للشهداء الثلاثة”، فلسطين الثورة، (بيروت: الصحيفة المركزية لـ م.ت.ف، العدد 87، 10/4/1974)، ص9.
([10]) عدوان، إرهاب وراء الحدود، ص243.
([11]) غالب الوزير، مقابلة شخصية، في غزة في 27/11/1998.