مقامة الصباح والجراح
قصيدة للشاعر/ سمير عطية
وحين قرأ من كتابِ السَّفر : جاءَ في بابِ السين وفصل الرّاء أنْ سوفَ تُخطف الشمس ويُسرق الغيم ، ويُباع النَّخيل ويؤجّر النّيل ، وظلَّ يقرأ لنا ما يوجع به القلب ، ويأسى له الدّرب ، حتّى صعدتْ كلماتُه إلى معارجِ الحروف ، ولقيت في سبيل ذلك ما لقيت من الحتوف ، فقال للمحابر : لا تيأسوا ولا تركنوا إلى جرح ، ونظر إلى المقابر فخاطبها ونحن نعجب مما نرى ونسمع : لكمْ موعدٌ مع الموت ولنا موعدٌ مع الصُّبح .
ومرَّ به شاعرٌ يبحثُ عن كلمات، وقاصٌّ تخنقه العبرات ، ويَمامةٌ مكلومة ، وصبيَّة مهمومة ، فأطرقَ رأسَهُ في وجَلْ ، ثمَّ نادى على ” الأمل ” :
يا معشرَ الضّياءات ، ويا قبائل السَّناءات ، أقبلوا وانشروا في يبابِ الفيافي شوقَ القوافي ، وانثروا من بذور الكلمات ما تَنبتُ لهُ السُّنبلات ، واصنعوا في كلِّ نبضٍ حادياً للفجرْ ، وإيّاكم وخناجر الغدرْ ، فإنّها مسمومة ، وانطلقوا إلى جيوش اللّيل فإنها مهزومة .
واستعيدوا من أصفادها الشمسَ والنّهار ، والعطرَ والأطيارْ ، أعيدوا للكونِِ بهاءَه ، وللحبِّ أسماءه ، فعندها يبدأ الصَّبح ، وتبرى الجراحْ ، ويعلو الصَّهيل ويتجدد النبضُ في عروق النَّخيلْ .
ثُمَّ طوى كتابَه ومضى ، وأتكّأ على عصاهُ في ذاكَ الفضا ، ونحنُ ننظرُ إلى بذور كلماته وهي تنبتُ في طريق مسيرِه ، وعفّته وسرورِه .
وكنتُ لأوّل مرّة أشاهدُ سنابلَ اليقين وهي تخرجٌ من بين القضبان ، وترتفعُ رغم الجدرانْ .
وعندما سألني صحبي عن اسمِهِ : قلتُ لعلّه ” الصُّبح ” جاء يُعلّمنا كيف نصنع ” الأمل