بلفور مات … ورماد وعده ستذروه الرياح
كتب: عماد عفانة
في مثل هذا اليوم قبل 104عاماً وبالتحديد في 2 نوفمبر 1917م نفذت الحكومة البريطانية سطوا مسلحا على درة تاج الأمة فلسطين، من خلال الوعد الذي منحه اللص اللورد بلفور وزير الخارجية البريطاني لليهود، بإعطائهم وطن قومي لهم على أرضنا فلسطين.. ليشكّل هذا الوعد المشؤوم منطلقا للظلم والجريمة وقرصنة الحقوق، فهو وعد من لا يملك لمن لا يستحق.
وما أشبه اليوم بالبارحة، فمن يحكم المجتمعات العربية والقضية الفلسطينية اليوم كما كان في زمن بلفور، هي مصالح المتنفذين في الطبقات الحاكمة، وعلاقتهم بالولايات المتحدة، التي بلغت في نتيجتها حد إنكار الحقوق الفلسطينية، والإقرار بكيان العدو كدولة لها الحق بالبقاء في المنطقة والتطبيع معه من أجل تدعيم وجودهم في الحكم.
بالأمس كان وعد بلفور، واليوم يطل علينا “اتفاق أبراهام” الذي يجسده اتفاقيات التطبيع الصهيونية مع عدد من الدول العربية التي صنعها سايكس بيكو، في شكل مختلف لتنفيذ ما يسمى بصفقة القرن ومؤتمراتها التي مهدت “لاتفاق أبراهام”.
وإذا كان وعد بلفور ينص على دعم تأسيس “وطن قومي للشعب اليهودي” في فلسطين التي كانت ذات أقلية يهودية تتراوح بين 3% إلى 5% من إجمالي السكان، فان “اتفاق أبراهام” الذي أسس لتطبيع عربي صهيوني، يتضمن تفكيكا ضمنيا لما عرف بـ “الصراع العربي الإسرائيلي” عبر إقامة سلام وعلاقات دبلوماسية كاملة بين أطرافه، مع “اعتراف كل طرف بسيادة الطرف الآخر وحقه في العيش بسلام”.
تابع في بلفور مات… ورماد وعده ستذروه الرياح
وكما نص وعد بلفور على منح حق لليهود بإقامة “وطنهم” في فلسطين، أعطت اتفاقات التطبيع العربية الحق في السيادة “الإسرائيلية” الكاملة على هذه الأرض، كما أقرت ضمنا بأبرز خطوات صفقة القرن وهي نقل السفارة الأميركية إلى القدس باعتبارها “عاصمة موحدة لإسرائيل”، وتعاملت معها كمكان ديني فقط ووصفت الاتفاق “بالفرصة” للمسلمين من أنحاء العالم لزيارة المسجد الأقصى.
بعد 104 عاما على وعد بلفور المشؤوم، نجد أنفسنا أمام اتفاقات أسوأ من وعد بلفور نفسه، كاتفاق أوسلو، لأن بلفور أعطى الفلسطينيين 44% من مساحة وطنهم بناء على قرار التقسيم (1947)، في حين تطالب السلطة الفلسطينية في أوسلو بأقل من 22%.
كما نجد أنفسنا أمام دور عربي يساعد في تعزيز وعد بلفور من خلال الهزائم في حروب 1948 و1967، وصولا إلى الانخراط في صفقة القرن الأميركية والهرولة نحو التطبيع مع كيان العدو على طريق تصفية القضية الفلسطينية نهائيا وطرد الشعب الفلسطيني خارج وطن آبائه واجداده، لكن هيهات.
إن نجاح العدو في احداث مزيد من الاختراقات للعواصم وقصور الحكم العربية، يوجب علينا العمل على توسيع الدائرة لجهة صنع اصطفافات عربية وإسلامية، والتحالف مع الأحزاب والقوى الثورية الفلسطينية والعربية والإسلامية، لجهة تحصين القضية الفلسطينية، وتعزيز قدرة شعبنا الفلسطيني على التوحد والصمود، لمواجهة الأخطار التي تحدق بنا.
أن استمرار المواجهة مع العدو، وخوض المزيد من المعارك معه، هو الكفيل بوقف وانهاء مرحلة التطبيع العربي الذي يستهدف تفكيك نظرية الصراع مع العدو، وتطبيع العقل العربي والأجيال الناشئة لتقبل العدو ودمجه ضمن نسيج المنطقة.
تابع في بلفور مات… ورماد وعده ستذروه الرياح
ولأن وعد بلفور شكل بداية مأساة الشعب الفلسطيني عندما أعطى وطن شعب حي ومعروف إلى شعب آخر خلافا لكل الأعراف والقوانين منذ بدء الخليقة، فما يزال لدينا الحق في محاكمة بريطانيا أمام القضاء المحلي والدولي، باعتبارها مسؤولة عن المأساة التي حلت بشعبنا الفلسطيني، وما نجم عن وعدها من تهجير وجرائم بحقنا.
فلا وعد بلفور، ولا صفقة القرن، أو اتفاقيات أبراهام، ولا مشاريع التطبيع، يمكنها أن تحل محل حقوق الشعب الفلسطيني وخاصة حقنا في التحرر وإقامة دولتنا على كامل ترابنا المقدس.
إن ما يجب أن يشد من عضدنا ويقوي شكيمتنا أن هذه الصفقات تتم بإرادات فردية وبإرادات الحكام، لا بإرادات الشعوب، فضلا أنها لا تمثلنا نحن أصحاب القضية، وهي شبيهة بوعد بلفور وتتحمل الدول المتورطة بها المسؤولية القانونية والأخلاقية عن تبعاتها على الحقوق الفلسطينية.
إن مسؤولية بريطانيا التاريخية عن هذا الوعد المشؤوم، يتطلب تحرك أحرار العالم ودعاة الحق والانصاف، لمقاضاة الحكومة البريطانية لتصحيح هذه الخطيئة، التي حرمت شعب كامل من مقدراته وأرضه وحقوقه، من حياته وأحلامه.
كما تدفعنا مسؤولياتنا الوطنية الى حث جميع الدوائر والفعاليات الفلسطينية إلى إحياء هذه الذكرى في جميع مناحي المجتمع، في المحافل في المدارس في الجامعات ووسائل الاعلام، وتوضيح حيثياته التاريخية وتفاصيله وتثقيف أجيالنا الحالية والقادمة، وتنوير الرأي العام بكافة مستوياته العمرية، حتى تبقى هذه الذكرى حيّةً في عقول وضمائر الأجيال التي أقسمت على إعادة الحق الى أصحابه.
ولا نعفي في هذه المناسبة الحقوقيين ومؤسسات حقوق الانسان من رفع دعاوى وشكاوى رسمية أمام المحافل القانونية الدولية لإبطال هذا الوعد وانهاء آثاره المتناقضة مع القوانين الدولية ونصوص قوانين حقوق الانسان.
فلسطين ستبقى لأهلها وللأمة من خلفها، وأرض الاسراء المعراج ستبقى القبلة الأولى وبوابة السماء، مهوى الأفئدة وبوصلة الثوار، ولن يسلبها من أصحابها أية وعود أو اتفاقات، فهي وعد الله لعباده المؤمنين.