ما الذي يدفع الأردن لمواصلة تمسكه في أن يكون رأس حربة سياسية في دعم الموقف الفلسطيني، وأن يكون حازماً في رفض سياسات وإجراءات المستعمرة الإسرائيلية، والاختلاف بوعي وحكمة مع موقف الإدارة الأميركية الداعمة للسياسات التوسعية الإسرائيلية؟.
هل هواية الظهور؟؟ أو فش الخُلق؟؟ أو البحث عن أدوار كما تفعل بعض البلدان العربية الثرية ؟؟ ما دوافع الفعل الأردني؟؟ هل يحمل السلم بالعرض؟؟ أم أن دوافعه جوهرية تمليها مصالحه الوطنية والأمنية العليا ؟؟.
شكل الأردن رأس حربة سياسية في رفض موقف الإدارة الأمريكية حينما أعلن ترامب يوم 6/12/2017 قراره بالاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة للمستعمرة الإسرائيلية، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس!!
وكان رأس حربة سياسية في دعم الموقف الفلسطيني الرافض لخطة ترامب لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المسماة: «صفقة القرن» التي أعلنها الرئيس ترامب في واشنطن يوم 28/1/2020 بحضور ومشاركة نتنياهو!!
وها هو الأردن يواصل رفضه الحازم لخطة نتنياهو بضم المستعمرات والغور الفلسطيني لخارطة المستعمرة!!
الأردن تربطه علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة وفقاً لمذكرة التفاهم الموقعة يوم 14/2/2018، وهو مرتبط بمعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية منذ 26/10/1994، ومع ذلك يقف رأس حربة سياسية في المحطات الثلاث، رافضاً موقفي واشنطن وتل أبيب علناً: بشأن القدس، وصفقة القرن، وضم الغور والمستوطنات.
لماذا فعل ذلك؟؟ ما دوافعه؟؟ ما أسلحته التي اعتمد عليها في رفض سياستي تل أبيب وواشنطن؟؟.
دوافع الأردن تستهدف حماية أمنه الوطني، وهي الأولوية الأولى في مواجهة محاولات العدو الإسرائيلي جعل الأردن وعاءً وهدفاً وملاذاً لترحيل الفلسطينيين، كما فعل عام 1948 حينما نجح في رمي القضية الفلسطينية واللاجئين إلى أحضان الأردن وسوريا ولبنان، عبر تهجير وتشريد أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني، وتحويل قضيتهم من سياسية إلى إنسانية، وجعلها مشكلة وقضية عربية عربية، وبقي الوضع الشائك والمعقد في تصادم الأولويات الفلسطينية مع عواصم الدول العربية الثلاث، إلى أن قام الرئيس الراحل ياسر عرفات بنقل الموضوع والعنوان الفلسطيني من المنفى إلى الوطن، اعتماداً على نتائج الانتفاضة الأولى عام 1987 واتفاق أوسلو عام 1993.
وبسبب فشل اتفاق أوسلو، وإخفاق تنفيذ خطواته المتدرجة متعددة المراحل، في قضايا المرحلة النهائية: القدس، اللاجئين، الأمن، الحدود، وغيرها، بل وإعادة احتلال المدن الفلسطينية التي سبق وانحسر عنها الاحتلال في الضفة المحتلة، وسيطرة اليمين المتطرف والاتجاه الديني المتشدد على مؤسسات صنع القرار الإسرائيلية الرافض لاتفاق أوسلو وتبعاته.
اجتهدت حكومات المستعمرة الاسرائيلية في جعل الأرض الفلسطينية طاردة لشعبها، وخلق أجواء طاردة للسكان عبر التضييق والإفقار، بهدف إلقاء القضية الفلسطينية مرة أخرى خارج أرضها ووطنها، ليتحمّل الأردن تبعاتها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، ولهذا وقف الأردن بحزم في مواجهة هذا المخطط، ليبقى وطناً للأردنيين فقط، كما فلسطين للفلسطينيين.
لقد تم احتلال القدس والضفة الفلسطينية في يونيو جزيران 1967، حينما كانتا ضمن أراضي المملكة الأردنية الهاشمية، فعلى الأردن مسؤوليات متعددة وطنية قومية، وأدبية أخلاقية في العمل من أجل استعادتهما، وزوال الاحتلال عنهما، وقد أعلن الأردن فك ارتباطه قانونياً وإدارياً بالضفة الفلسطينية عبر قرار فك الارتباط في 31 تموز 1988، لصالح أهلها وشعبها الفلسطيني لسببين: أولهما تعزيز هويتها الفلسطينية كنقيض للاحتلال الذي عمل على أسرلتها وعبرنتها وتهويدها، وثانيهما كتعزيز لدور منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد المعترف به فلسطينياً وعربياً ودولياً.
وبهذا المعنى لم يتخل الأردن عن مسؤولياته عن استعادة القدس والضفة، ولم يتخل عنها لصالح المشروع الاستعماري الإسرائيلي ومخططاته، ولذلك حينما توصل إلى إعلان واشنطن يوم 25/7/1994 مع رابين برعاية الرئيس الأميركي كلينتون، مما مهّد للتوصل إلى معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية -وادي عربة يوم 26/10/1994، تم ترسيم الحدود مع إسرائيل بدون المس بالحدود المشتركة الأردنية مع الضفة الفلسطينية وبقيت معلّقة لتبتّ فيها المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
كما تضمن إعلان واشنطن ونصوص معاهدة السلام على عدم المساس بوضع الضفة وعدم إجراء أي تغيير عليها الاتفاق على وضعها النهائي عبر المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، ولذلك يعتبر الأردن أن عمليات ضم الغور والمستعمرات من قبل حكومة المستعمَرة إخلالٌ بمضامين الوثائق السابقة، فقد نص إعلان واشنطن حرفياً على ما يلي:
1-احترام الدور الحالي الخاص بالمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس، وحينما تأخذ مفاوضات الوضع النهائي لمدينة القدس مجراها، فإن إسرائيل ستعطي أولوية سامية لدور الأردن التاريخي في هذه المقدسات.
2- إن كلا البلدين سيمتنعان عن القيام بأعمال أو نشاطات من شأنها أن تؤثر سلباً على أمن الطرف الأخر، أو أن تَحكم على الوضع النهائي للمفاوضات بشكل مسبق.
وقد أوردت معاهدة السلام في وادي عربة المضمون نفسه، ونصت المادة الثالثة منها على الحدود الدولية بما يلي:
الحدود المحددة في الملحق (1-1 أ) هي الحدود الدولية الدائمة والآمنة والمعترف بها دولياً بين إسرائيل والأردن دون المساس بوضعية أية أراض دخلت تحت سيطرة الحكم الإسرائيلي العسكري في سنة 1967.
وبذلك يتقوّى موقف الأردن باستناده لمعاهدة السلام التي تحول دون إجراء أي تغيير على معالم الضفة والقدس؛ وهذا سبب انحدار العلاقات الرسمية مع الحكومة الإسرائيلية التي تمادت في إجراءاتها بما يتعارض مع الاتفاقات الموقعة بين الطرفين.
وهذا ما يُفسر انحياز الأردن العلني في دعم الموقف الفلسطيني وفي معارضة الموقف الأميركي ورفضه الحازم للمواقف والسياسات الإسرائيلية.