الثّور الإسرائيلي يترنّح
لواء / د. رفيق أبو هاني
الباحث في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية
أيمكن أن يظن أحد على وجه الكرة الأرضية كائنا من كان، أن احتلالا يمكن أن يبقى يسيطر على الأرض والإنسان؛ فيقتل ويسجن وينتهك الأعراض والحرمات.
لقد علمتنا دروس التاريخ منذ القدم، أن كل قوة غاشمة ركنت إلى وحشيتها وجبروتها، ومضت تعربد وتصول على شعب آخر لتنهب خيراته ومقدراته وتطمس تاريخه وثقافته؛ باءت بالفشل ورجعت تجر أذيال الهزيمة …
لقد غزا التتار شعوبا كثيرة، وسيطر على شعوب ودول بأكملها، حتى قدرت مساحة ما تم احتلاله من الأرض بأكثر من خمسة وثلاثين مليون كيلو متر مربع، فأحرقوا المدن وسفكوا الدماء وانتهكوا الأعراض، وما هي إلا سنوات معدودات حتى انكسرت شوكتهم وانهزمت جيوشهم، ورجعوا مدحورين، لا بد ذابت شخصيتهم في الشعوب التي غزوها، فقد دخل معظمهم في الإسلام كأول سابقة تاريخية يذوب فيها شخص الغازي في ثقافة ودين المغزو …
ومضى كمثلهم الصليبيون يعيثون في الأرض الفساد، فصالت جيوشهم وفرسانهم قتلا وإجراما، ودمروا البيوت والمساجد ، حتى إنهم قتلوا في يوم واحد في بيت المقدس ما يقارب من سبعين ألفا من المسلمين المدنيين الرجال والنساء والأطفال ، وأحالوا المسجد الأقصى لإسطبل لخيولهم لمدة مائة عام تقريبا …
ثم انتهت دولتهم وتبخرت قوتهم أمام صمود المجاهدين بقيادة القائد المظفر صلاح الدين الأيوبي، وتحررت البلاد والعباد من سطوتهم وجبروتهم …
وكل ما سبق انطبق تماما على الدول الاحتلالية المعاصرة في الزمن الحديث، فما دام الحكم لفرنسا في الجزائر، ولا بقي احتلال بريطانيا لنصف العالم تقريبا ، ولا نجح هتلر في غزو الشعوب فتحطمت قوات على أسوار مدينة ستالين غراد الروسية عام 1943م …
وكل ما سبق أيضا سينطبق تماما على هذا الكيان الصهيوني الغاشم ، الذي ظن أنه سيطر على أرض فلسطين ، وقضى على هوية الشعب الفلسطيني، حتى قالت زعيمتهم الهالكة غولدا مائير بعد انتصارهم المزيف عام 1967م أمام الجيوش العربية : ” الكبار سيموتون والصغار سينسون ” وكأنها تستذكر في قاموسها الاحتلال الغاشم الذي قامت به جيوش الولايات المتحدة الأمريكية لشعب الهنود الحمر خاصة ، وإنها يهودية وافدة من أمريكا…
تابع في الثّور الإسرائيلي يترنّح
إن المعطيات الاستراتيجية والعسكرية الجلية أمامنا تعطي نتيجة واحدة لا غير، وهي أن هذا الكيان الصهيوني يترنح بالضبط كمشهد الثور الهائج، الذي يرى السكين قد اقتربت على عنقه، وذلك ضمن مدة زمنية قريبة جدا لا تتجاوز بضع سنين ، فما غفل الكبار ولا نسي الصغار، بل مضى شعبنا الفلسطيني في كل الساحات داخل فلسطين وخارجها، وبكل ما أوتي من قوة وطاقة على طريق الحرية والكرامة …
فتسلح بإيمانه العميق ووعيه الثاقب وتضحياته الجسام ، فمن ثورة إلى انتفاضة على مدى فترة قرن كامل، وقد قدم خلالها ملايين الشهداء والجرحى والأسرى طائعا وراضيا وما زال يقدم حتى يومنا هذا …
إن معركة سيف القدس – ولنا بها حديث خاص – التي كانت بمثابة المعجزة والتي خاضتها المقاومة الفلسطينية بكل اقتدار وجدارة سياسيا وعسكريا ، بحيث شهد لها القاصي والداني بذلك دفاعا عن المسجد الأقصى المبارك ، وعن الحرمات التي انتهكتها القوات الصهيونية الغازية …
لقد مثّلت هذه المعركة انتصارا استراتيجيا هاما في طريق التحرير، بحيث فجرت طاقات الأمة كلها شعبيا على المستوى الفلسطيني، وعربيا وإسلاميا بل وعالميا لتكون تجسيدا لقوله تعالى : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ﴿٧﴾( الإسراء : 7 )
إن المعركة ما زالت مستمرة، ولكنها حسب معطيات الدين والتاريخ والسياسة هي في نهايتها، وإن هذا الكيان يترنح، وما يلبث أن يسقط أرضا لتعمل به سكين الحق والقوة الحرية عملها، ويزول كما زال غيره، وإنه لقريب قريب بإذن الله تعالى.