مركز الشرق للأبحاث و الثقافة

(ولِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبيرًا)

وليتبروا ما علوا تتبيرا

(ولِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبيرًا)

د. نصر فحجان – غزة

معنى التَّتْبير

التَّتْبير هو الإهلاك والتدمير، والتحطيم والتكسير والتفتيت، بحيثُ لا يبقى ممّا تَمَّ تتبيره شيءٌ يقوم بذاته، وفي هذا يقول الله تعالى على لسان نوحٍ عليه السلام: (ولا تزد الظالمين إلا تبارًا) {نوح: 28}، أيْ لا تزدهم إلا دمارًا وإهلاكًا لا يُبقي لَهم باقية.

متى يقع التَّتْبير

 

ولن يقع هذا التَّتبير إلا بعد دخول بيت المقدس، وتحرير المسجد الأقصى: (وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة)، حيثُ سيكون هذا الدخول عنيفًا وقويًّا يتم فيه تحرير المدينة المقدسة من الاحتلال الإسرائيلي الذين تدعمه قوى الظلم العالمية، في حالة من الخذلان العربي الرسمي، وهذا يستدعي قتالًا في كلِّ مكان من القُدْس، كما فعلوا في أوَّل مرَّة حيث جاسوا خلال الديار: (فجاسوا خلال الديار وكان وعدًا مفعولًا).
إنَّ دخول القدس (بيت المقدس) سيكون ذروة الانتصار، وغاية المجاهدين في المرحلة الثانية بعد إساءة الوجوه، تمهيدًا للتَّتبير، وهو المرحلة الثالثة والأخيرة في وعد الآخرة، خاصَّة أنَّ القدس هي المدينة التي يتَّخذها اليهود عاصمةً مركزيةً لقوتهم السياسية والسيادية، لذا فإنَّني أرى أنَّ أكثر ما يكون من التَّتْبير سيكون في القدس.

(وليتبروا ما علوا تتبيرًا):

ويُمكنني الوقوف عند بعض المعاني والدلالات في الآية الكريمة:

1. (ما علوا):

الدلالة الأولى: أيْ ما استولَوْا وسيطروا عليه بالقوة والقهر والغلَبة، فالداخلون للقدس والمسجد الأقصى سيُتبِّرون ما سيطروا عليه وغلبوه وقهروه بطريق القوة والقتال والانتصار، على اعتبار (ما) اسمًا موصولًا بمعنى الذي.
أيْ أنهم سيتبِّرون ويدمِّرون ما كان يتحصّن فيه اليهود من حصون ومواقع، فُهُم كما قال الله تعالى فيهم: (لا يقاتلونكم جميعًا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر) {الحشر: 14}، فلا يَبقَى لهم مكانٌ يلجؤون إليه، ولا يجدون لهم فئةً ينحازون إليها.
وواضحٌ أنَّ ما يتمُّ الاستيلاء والسيطرة عليه من المواقع العسكرية والجُدُر والحصون والمواقع السيادية يكون بعد معارك طاحنة وعنيفة مع اليهود، فاستحقَّت هذه المواقع التدمير والإهلاك والتَّتْبير بما ترمز له من السيادة والقوة والوجود الإسرائيلي في القدس والأرض المباركة.
ولا أظنّ أنْ يتمّ تتبير المؤسسات المدنية كالمدارس والمستشفيات والمؤسسات العامة، ولا تتبير المساكن التي يمكن الاستفادة منها في إيواء أكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني في الشتات منذ سنة 1948م، فهي حقٌّ مُسترَدٌ لهم، وهي كما قال الله تعالى للمسلمين بعد غزوهم لبني قريظة: (وأورثكم أرضهم وديارهم وديارهم وأموالهم وأرضًا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرًا) {الأحزاب: 27}.
ولا يقتصر التتبير على الجانب الماديّ، بل هو تتبيرٌ للعُلوّ الإسرائيلي الكبير، وتحطيمٌ لما ترمز له (إسرائيل) من القوة والاستكبار والعنجهية والسيطرة والظلم والإفساد.
الدلالة الثانية: ويمكن أنْ نفهم أيضًا من قوله تعالى: (ما علوا) أنَّهم سيُتبِّرون كلَّما عَلَوا وانتصروا، أيْ ما استمرَّ انتصارهم وعلُوُّهم على اعتبار أنّ (ما) ظرفيةٌ للزمان.
وأيًّا ما كان الفهم ففي كلا الأمرين سيكون التتبير بالقوة والغَلبة والعُلُوّ، وسيزول معه الإفساد الإسرائيلي عن الأرض المباركة.

2. ( تتبيرًا):

وفي التَّتْبير قهرٌ نفسيٌّ لليهود وخِزْيٌ، لتغتاظ نفوسُهم حسرةً وألمًا وحزنًا، كما في قوله تعالى: (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين) {الحشر: 5}، فإنَّ الخِزْيَ ينطوي على الحسرة، فضلاً عن المَعَرَّة والافتضاح من أثر الهزيمة.

3. ( تتبيرًا):

مفعول مطلق، جاء ليؤكِّد الفعل (وليتبروا)، فهو تَتْبيرٌ حقيقيٌّ مُطْلَق الحدوث، يجعلنا نتصور الدَّمار والإهلاك كأنَّه يقع أمامنا دون قيود على هذا الدمار والإهلاك والتفتيت.
إنَّ عملية التَّتْبير التي سيقوم بها عبادٌ لله أولو بأسٍ شديد لكلِّ رموز الإفساد الاسرائيلي في الأرض المباركة فلسطين، ستعني نهاية (إسرائيل)، وزوالها بشكل كامل، وستزول معها كل مظاهر علوِّهم الكبير، فلا يبقى لهم علوٌّ سياسي، ولا علوٌّ اقتصادي، ولا علوٌّ عسكري، ولا علوٌّ إعلامي، وسيسيطر المجاهدون المنتصرون على المطارات العسكرية والمدنية وما فيها، وستصبح الموانئ وما فيها من السفن الحربية والمدنية غنائم للمنتصرين، وسيستفيدون منها في دولتهم القادمة بإذن الله تعالى.