الجودة الشاملة في الإسلام وأثرها على التعليم

الجودة الشاملة في الإسلام وأثرها على التعليم

بقلم: أ.حسام رفعت حرز الله

الجودة الشاملة في الإسلام وأثرها على التعليم

 

-الشاملة-في-الإسلام-وأثرها-على-التعليم--300x256 الجودة الشاملة في الإسلام وأثرها على التعليم

 

تُعرَّف الجودة الشاملة بأنِّها: مجموعة المعايير والمواصفات والخصائص والمقاييس التي تنبغي أن تتوفر في كافة عناصر النظام التعليمي، لتحقيق رغبات وتوقعات رضا الطلاب والمجتمع المحلي، بما يحقق مخرجات متميزة رائعة تلبي حاجات المجتمع ككل، ورغبات الفرد باعتباره وحدة بناء هذا المجتمع.

 الجودة الشَّاملة في الإسلام: 

مبدأ الجودة قديم الوجود، وتجلَّى في حضارة وادي الرِّافدين، قبل أكثر من خمسين ألف سنة، إذ احتوت تشريعات حَمُورَابي على نَص فحواه: أنَّ من يَبني بيتاً يسقُط على ساكنيه، فيقتلهم فإنِّ عقوبته الإعدام، فما هذا التشريع إلا تكريس لمبدأ الجودة والإتقان والحَث على ذلك (عطية،2007م، ص26). ثم جاء القرآن الكريم فأكَّد هذا المبدأ منذ أربعة عشر قرناً وسبع وثلاثين سنة من الزمان في قوله تعالى: (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) [النمل: 88]. وقوله تعالى: ( لقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)[التين: 4]، فهي دلالة على جودة الخلق، وإحسان وإبداع الخالق.


وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:” إنّ الله تبارك وتعالى يُحب إذا عَمِلَ أحدكم عملاً أن يُتقنهُ”(البيهقي،2003م، ص4931). فالإسلام بشموليَّته (عقيدة وشريعة، وأخلاقاً، وكفلسفة موجهة للكون والإنسان والحياة) هو كمال الجودة وتمامها، ومنه يُمكن فهم البُعد اللانهائي في

قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3]، مما جعل المُتمسكين بأحكامه يترجمون هذه الفلسفة في كل أمور حياتهم، فسيدنا يُوسف- عليه السلام- طَلب من فرعون مصر أن يُوليَّه خزائنها، لأنِّه أقدر على إجادة عمله وعبَّر عن ذلك بصفتي: الحفظ، والعلم كأساس لنجاح عمله، وسبب لجودته وإتقانه في قوله تعالى:  (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف:55] (المهدي،2013م، ص28).

إذاً الإسلام دين الجودة والإبداع، فهو دين الله الكامل والجودة ليست جديدة على الدِّين الإسلامي، فمفهوم الجودة حاضرٌ في كل تعاليم الإسلام بكل مضامينه، لذا ينبغي على التربويين أن يستنبطوا معاني الجودة من مفاهيم الإسلام،  ويعملوا على تحقيقها في كل الميادين، وعلى رأسها العملية التعليمية خاصة أن الإسلام يهتم بالعلم، ويحث عليه، فمن باب الأولى أن تتحقق في العملية التعليمة برمتها مبادئ الجودة الشاملة، التي أصبحت أكثر المفاهيم انتشاراً؛ لتطوير أساليب العمل في مختلف المجالات.

كما أن مصطلح الجودة في القرآن الكريم متمثل في لفظ الجياد في الآية الكريمة في قوله تعالى: ( إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ) [ص:31] أي عُرض على نبي الله سليمان- عليه السلام-  الخيل الصافنات، أي الواقفة على طرف الحافر كناية عن النشاط، والحيوية، والقوة، والتأهب للانطلاق، والانقياد بفارسها .أما لفظ الجِّياد فيعني الجيِّدة في الجري، والانقياد التي تؤدي ما يطلب منها بصورة جيِّدة.

وانطلاقًا من هذا الوصف القرآني المجيد للخيل وقوفًا وانطلاقًا أطلق لفظ جواد على الحصان لما يمتاز به من جري سريع قوي بصورة جيِّدة(جرادة،2004م، ص14). فالجودة ضرورة فرديَّة وحضاريَّة واجتماعيَّة وشرعيَّة؛ لأن الإسلام شريعة الله إلى البشر، لذا يقتضي تطوير الإنسان وتهذيبه؛ ليتمكن من أداء مهمته بشكل جيِّد، فهو محاسب لقوله تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) [الصافات: 24]؛ ولهذا كانت الجودة ضرورة شرعيَّة وليست فقط خياراً بشرياً قال تعالى:( أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) [القيامة: 36] (المهدي،2013م، ص50).

بعض دلالات مفهوم الجودة الشاملة في الإسلام:

يوجد لمفهوم الجودة الشَّاملة في الإسلام دلالات كثيرة منها: الإحسان، والإتقان، والصلاحية، والإخلاص، على سبيل المثال لا الحصر، لكن اقتصر الباحث على عرض بعضها ومنها:

  • إتقان العمل: حيث إن الجودة تعني الإتيان بالعمل على وجه متقن، وبدون قصور أو عيوب، فسبحانه جلّ شأنه تتجلى صور إتقانه في صنعه لكل شيء فهو القائل:(صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) [النمل: 88] (السامرائي، و ناصر، و حاكم، 2012م، ص23). فالمعلمون إذا ما أتقنوا العمل شرحاً، وتوضيحاً، وإثراءً، ودعماً للطّلبة، فإنَّ هذا سيكون مردّه مخرجات تعليمية ذات جودة عالية.
  • التقوى: وهي كما عرّفها علي بن أبي طالب- كرّم الله وجهه- أنَّها هي(الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل، فهي سبب لكل نجاه لقوله- عزِّ وجلَّ-: (ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا )[الطلاق: 2] القرني،2002م، ص(195).

فالمعلم مؤتمن على عمله، مؤتمن في قاعات الدّراسة على الطلبة، مؤتمن على عقول النشء، فإذا اتّقى الله في عمله، وعمل بما يرضي ربّه، حتماً ستكون مخرجات عمله ذات جوة عالية.

  • الحكمة: وهي العلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه، والعمل بمقتضاها كما في قوله تعالى:(يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) [البقرة: 269]، والحكمة درجة تعلو العلم بتضمُّنها معرفة الحق والعمل به، والإصابة في القول والعمل، والمفهوم الإسلامي للحكمة يُضفي دلالات كثيرة على مفهوم الجودة الشاملة في الإسلام ويثريه.

فعلى المعلم أثناء تعامله مع الطلبة، ومع غيرهم أن يعرف الحق، ويعمل به، ويصيب في القول والعمل، فإذا ما نجح فعلاً، فإنه يشكل قدوة حسنة لطلابه؛ وكل هذا مردّه مخرجات تعليمية ذات جودة عالية.

  • التعاون: فقد أكد الإسلام على ضرورة التعاون في سبيل الخير، ويظهر ذلك جلياً من خلال قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[المائدة،2]. فالعمل الجماعي بروح الفريق من المتطلبات الأساسية للجودة الشاملة (الزهراني،2011م، ص27).

فواجب المعلم ضرورة مشاركة الطلاب في اتّخاذ القرارات المتعلقة بتعليمهم، مما يلقي بظلاله على سرعة الامتثال لها، كونهم من ضمن متخذي القرارات، وهذا يؤدي لمخرجات تعليمية ذات جودة.

  • التسديد: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ” سـددوا وقـاربوا “، فالـسداد هـو حقيقـة الاستقامة، وهو الإصابة في جميع الأقوال والأفعال، والمقاربة: أن يصيب مـا قـرب مـن الفرض إذا لم يصب الفرض (الصوفي،2004م، ص113).

وبعد استعراض دلالات مفهوم الجودة الشَّاملة في الإسلام، وإسقاطها على ميدان التربية من قبل المعلمين، لابد للأمة أن تمتلك منهجاً شرعياً وعالمياً، إذا طُبِّق بطريقة صحيحة وسليمة، سيترتب على ذلك قيادة بشرية قوية، تتجلى فيها كل معاني: الإتقان، والدقة، والتميز، التي تحقق الجودة التي نصبوا إليها.

معايير الجودة في الإسلام:

ويُقصد بمعايير الجودة تلك المقاييس والمواصفات التي أقرها العلمـاء المسلمون، والتي في ضوئها يتم الحكم على جودة العملية التعليمية كمدخلات، ومخرجات، بكل عناصرها، ومنها:

  • معايير جودة المحتوى:
  • أن يؤدي المحتوى التعليمي إلى خشية الله- عز وجل-.
  • أن يعزز كريم الأخلاق مع إثراء المعلومات.
  • أن يقدم الخبرات العملية المفيدة.
  • احتواؤه للمادة العلمية الصحيحة والدقيقة.
  • مراعاة التدرج في المعلومات.

2- معايير جودة طريقة التدريس:

  • اعتمادها على التخطيط المحكم.
  • تهيئة المتعلمين للدرس.
  • حسن الإلقاء.
  • مراعاة الرفق بالمتعلم، وعدم تحميله أكثر من طاقته.
  • تأكيدها على استخدام الحواس.
  • اعتمادها على الحوار.
  • يتيح الفرص للمتعلم لاستخدام أساليب المنهج العلمي.
  • التنوع في الأساليب بما يُلائم الموقف التعليمي (أبو دف،2007م، ص).

وكذلك يرى ابن خلدون أنَّ معايير الجودة في التعليم تتمثل في:

  • معيار جودة المعلم: وتتمثل في النمو المهني، والتعاون، والعمل بروح الفريق، ومعرفة الفروق الفردية للمتعلمين.
  • معيار جودة المتعلم: وتتمثل في مراعاة طاقة المتعلم، ومراعاة الاستعداد للتعلم.
  • معيار جودة البيئة السليمة الداعمة: وتتمثل في الابتعاد عن العنف.
  • معيار جودة طريقة التدريس: وتتمثل في التلقين المباشر من المعلم للمتعلم.
  • معيار جودة المنهاج: وتتمثل في البعد عن الاختصارات في المنهاج، الانتقال من المحسوس إلى المجرد (مرجين،2015م، ص79).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *