الشرعية الفلسطينية وتحديات القضية الوطنية
تتنازع الساحة الفلسطينية قوتان متعارضتان تدعي كل منهما شرعيتها، مما يمثل تحدياً كبيراً للقضية الفلسطينية ويخدم الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر. هذه الوضعية تمنح “إسرائيل” الفرص المتتالية للاستقواء والتمدد على حساب الحقوق الفلسطينية.
- المنظمات الفلسطينية: منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس
توجد منظمة التحرير الفلسطينية التي انبثقت عنها السلطة الفلسطينية، والتي تقودها حركة فتح برئاسة محمود عباس. منظمة التحرير الفلسطينية تؤمن بالعمل السياسي المستمر في عملية السلام مع “إسرائيل”، بعد اعترافها بها وتوقيع اتفاق أوسلو في عام 1993م والاتفاقات التابعة له. وتعتبر هذه السلطة الفلسطينية معترفاً بها دولياً، ويتم تشجيعها على نهجها السلمي. بالمقابل، هناك حركة المقاومة الإسلامية حماس التي تؤمن بالمقاومة المسلحة، وكذلك حركة الجهاد الإسلامي التي تشاركها هذا النهج. لقد عارضت الحركتان اتفاق أوسلو ورفضتا الاعتراف بـ “إسرائيل”، وبقيتا خارج إطار منظمة التحرير الفلسطينية.
- التناقض بين العمل السياسي والمسلح في الحالة الفلسطينية
الأصل في مقاومة أي استعمار هو تكامل العمل السياسي مع العمل العسكري لتحقيق الأهداف الوطنية. لكن الحالة الفلسطينية شهدت انفصالاً وشقاقاً بين الفريقين. منذ أن غادرت منظمة التحرير الفلسطينية مربع المقاومة المسلحة واعترفت بـ “إسرائيل”، نبذت العنف ووافقت على خوض عملية السلام مهما طال الزمن ومهما حققت من نتائج، ظلت ترفض خروج أي بديل وطني يتبنى الكفاح المسلح. لذلك، عملت على رفض دخول حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى صفوف منظمة التحرير بشكل عادل، وأدانت أعمالهما العسكرية الموجهة نحو “إسرائيل”. كما نسّقت مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لإفشال أعمالهما وتقييد حرية العاملين فيهما.
- السياسة الفلسطينية والقدرة على التأثير
أدت سياسة منظمة التحرير وسلطتها الفلسطينية إلى تخليها عن أدوات الضغط على “إسرائيل” وعلى المجتمع الدولي. بدلاً من التنسيق، حتى وإن كان سرّاً، مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي، أدانتهما علنياً. هذا جعلها عارية من أي قدرة على التأثير السياسي، مما أدى إلى المراوحة في المكان منذ ثلاثين سنة.
ورغم اعتراف حركتي حماس والجهاد الإسلامي بمنظمة التحرير وإبدائهما الرغبة في الانضمام إليها بشكل عادل من خلال انتخابات حرة للمجلس الوطني الفلسطيني، إلا أنهما عملتا وفق قناعاتهما دون تنسيق أو تشاور مع من يتفرّد بادعاء الشرعية، مما جعل قيادة منظمة التحرير تعتبر سلوكهما موجهاً ضدها شخصياً.
- الحروب الفلسطينية والموقف السياسي
خاضت حركتا حماس والجهاد الإسلامي، ومعهما العديد من الوطنيين الفلسطينيين، ستة حروب متتالية في الأعوام 2008، 2012، 2014، 2021، 2022، وآخرها طوفان الأقصى في 2023م. في كل حرب، كانت السلطة الفلسطينية تتدخل في مرحلة التوافق على تهدئة لتحقيق مكاسب سياسية لصالحها، ولتحرم منها القوتين المعارضتين لها. هذا التصرف كان كأنه تعاقب الحركتين ويبرهن لهما أنه لا يمكنهما العمل بعيداً عن نهج أوسلو.
- طوفان الأقصى والشرعية الفلسطينية
بعد مرور سبعة أشهر على طوفان الأقصى، والتخطيط والتنفيذ الفائق الذي أبدع فيه حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023، ومع صمود مسلح أسطوري لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، مدعوماً بصمود أسطوري من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أثبتت حماس والجهاد الإسلامي أنهما قادران على تكبيد “إسرائيل” خسائر غير مسبوقة في تاريخها. وأثبتت الحركتان أن ادعاءهما بالإيمان بالعمل المسلح لم يكن مجرد شعارات فارغة، بل إنهما امتلكتا إرادة القتال بصدق وكفاءة باهرتين.
- توحيد القيادة الفلسطينية وتحديد الشرعية
إن طوفان الأقصى يجب أن يضع حداً لتنازع “الشرعية” بين الطرفين الفلسطينيين. بدلاً من أن تضغط منظمة التحرير على الحركتين من أجل الاعتراف بـ “إسرائيل” وإلقاء السلاح، يجب أن يصبح واضحاً أن المقاومة المسلحة ذات جدوى وتستحق أن توجَّه البوصلة الفلسطينية التائهة نحوها. يجب فتح الطريق أمام حركتي حماس والجهاد الإسلامي لدخول منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية من أوسع الأبواب. ويجب أن يكون هذا هو المدخل لتوحيد القيادة الوطنية خلف مشروع وطني يعمل على إنهاء الاحتلال وليس الذوبان فيه. فهل آن الأوان لتصويب “الشرعية” في الساحة الفلسطينية، ونرى نهج المقاومة والكفاح المسلح يقود المسيرة ويوظف طاقات الشعب الفلسطيني السلمية والعسكرية لتحقيق الأهداف الوطنية؟ أم ستستمر منظمة التحرير وسلطتها بنهج التفرد الوطني والخضوع للمحتل؟!