فلسطين تلفظ المحتل
تعرضت بلاد كثيرة في العالم للاحتلال في فترات مختلفة من تاريخها. وقد نجحت معظم هذه البلاد في تحرير نفسها من المستعمِر لظروف واعتبارات عدة. جمعت فلسطين كل العوامل والظروف التي توفرت لتلك البلاد المستعمَرة، بشكل أكثر وضوحاً وتركيزاً، مما يؤكد العبارة التي يرددها الفلسطينيون: “فلسطين مقبرة الغزاة”، ويجعلها منطقية، وتحمل في طياتها بشارات تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي. ومن هذه العوامل:
1 . جغرافياً
القول بأن فلسطين تتوسط العالم ليس بعيداً عن حقائق الجغرافية؛ فهي تقع في الطرف الغربي من قارة آسيا عند التقائه بالطرف الشرقي لقارة إفريقية، وعلى مقربة من الطرف الجنوبي الشرقي من قارة أوروبا. يصل فلسطين بمصر ممرٌ بريٌّ طوله حوالي مائتين وأربعين كيلو متراً. يُعتبر هذا الممر البري، ممراً إجبارياً لكل التحركات من آسيا إلى أفريقية أو العكس، أومن أوروبا إلى إفريقية أو العكس، على الأقل في ظروف العالم القديم. وحتى بعد تقدُّم طرق النقل البحري والجوي، إلا أن النقل البري هو الأكثر اعتماداً وأماناً وتوفيراً حتى اليوم.
بسبب وجود الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، تعطَّل الطريق البري المارّ بفلسطين، وتقطّعت التجارة والنقل برّاً بين الشرق والغرب والشمال إلى حدٍّ كبير، وهو ما يضع علامات استفهام على عدم قدرة الاحتلال الإسرائيلي على الاندماج في المنطقة رغم مرو حوالي ثمانية عقود على قيامه، الأمر الذي ينبئ بقابليته للاندثار؛ لأن أحكام الجغرافية أكثر تأثيراً في الأحداث من غيرها.
تتماثل تضاريس فلسطين مع ما يحاذيها من تضاريس البلدان المجاورة؛ فجنوب فلسطين الذي يُسمّى بـ “النقب” يكاد يتطابق مع ما يحده من سيناء (في مصر) جنوباً، ومع وادي عربا (في الأردن) شرقا، سواء من حيث البيئة الجغرافية أو الحياتية، وحتى السكانية. والأمر نفسه ينطبق على ضفتي نهر الأردن الواقع بين فلسطين والأردن، وكذلك شمال فلسطين المسمّى بـ “الجليل”، حيث يتماثل مع التضاريس والبيئة في جنوب لبنان وسورية.
يترتب على هذا التماثل بين فلسطين وجاراتها، أن تجد قبائل عربية ممتدة عبر حدود فلسطين مع جاراتها العربيات، الأمر الذي يجعل من وجود الاحتلال الإسرائيلي شاذّاً وغير منطقيّ، وغير قادر على الاندماج في هذه البيئة العربية.
وقد حرصت الدول الاستعمارية الكبرى كفرنسا وبريطانيا على اختيار حدود طبيعية لفلسطين لتمكين المشروع الصهيوني من البقاء، وتأمينه فيها، وذلك مع بدايات الاحتلال البريطاني لفلسطين، بحيث يحدها غرباً البحر المتوسط، وتحدّها جنوباً صحراء النقب، ويحدّها شرقاً وادي عربا ونهر الأردن، ويحدّها شمالاً جبال الجليل، إلا أنهم غفلوا عن مشكلة ضيق العمق الجغرافي الفلسطيني، بحيث أن أطول عرض لفلسطين كان مائة وعشرة كيلومترات فقط، ويضيق العرض كلما اتجهنا شمالاً أو جنوباً من فلسطين، حيث أخذت فلسطين شكل مثلثين يلتقيان في القاعدة ورأس أحدهما في الأعلى ورأس الثاني في الأسفل. هذه الحدود الطبيعية – وإن كانت الحدود الطبيعية هي من أقوى أنواع الحدود – لا يمكنها توفير الحماية للاحتلال الإسرائيلي في ظل تطور الأدوات القتالية، وظهور الصواريخ كسلاح استراتيجي عابر للحدود، وقدرة السكان الأصليين على التغلغل داخل الكيان المحتل لقرب المسافات، مما يجعل هذا الاحتلال غير آمن.
لقد قررت بريطانيا الاستفادة من موقع فلسطين الذي يتوسط العالمين العربي والإسلامي، بإحكام السيطرة والنفوذ في هذين العالمين من خلال زرع جسم سكاني غريب عن المنطقة في فلسطين، كما ورد في وثيقة كامبل بنرمان رئيس وزراء بريطانيا التي لخصت ما توصل إليه مؤتمر خبراء الاستعمار الذي عقدته بريطانيا على مدار عامين 1905-1907م، حيث رأت أن إقامة كيان لليهود في فلسطين، مستفيدين من ادعائهم التاريخي والديني فيها، سيمثل فرصة لإحكام السيطرة على العالمين العربي والإسلامي والإبقاء على تفرقهما وإضعافهما ومنع قيام أية محاولات للوحدة والاستقلال الحقيقي فيهما، الأمر الذي من شأنه إدامة السيطرة الأوربية عليهما لأطول فترة ممكنة.
2 . تاريخياً
بسبب الموقع الجغرافي لفلسطين، تعرَّضت على مرّ الأزمان للاحتلال والسيطرة من قِبَل الامبراطوريات الناهضة في العالم القديم؛ وذلك لثلاث اعتبارات أساسية:
- الاعتبار الأول : رغبة الامبراطوريات في التوسع باتجاه جاراتها، ففي كثير من الأحيان كان التوسع على حساب فلسطين، فعندما توسعت الدولة المصرية القديمة فيما سُمي “عصر الدولة الحديثة” في حوالي 1550 ق.م. تمددت على حساب فلسطين كلها وصولاً إلى كل سورية. وكذلك فعلت الدولة الآشورية 722 ق.م.، ثم الكلدانية 586 ق.م.، ثم الفارسية 539 ق.م.، ثم اليونانية 333 ق.م.، ثم الرومانية 65 ق.م.
- الاعتبار الثاني : تحييد فلسطين عندما تتعادل قوى الامبراطوريات المحيطة بها، حيث تحرص كل امبراطورية على إبقاء فلسطين كمنطقة عازلة مع جاراتها، تجنباً للصدام بينهما.
- الاعتبار الثالث : تأمين تجارتها المارّة بفلسطين. وتتويج هذه المهمة يكون عبر السيطرة المباشرة، وأحياناً عبر تحييدها وعزلها، وفي أوقات أخرى بتأمين قوافل التجارة عبرها.
في معظم المحطات التاريخية، ظهر أنه يتم احتلال فلسطين والسيطرة عليها، إما من جهة سورية شمالاً، أو من جهة مصر جنوباً، وفقط الفتح الإسلامي جاء من جهة الجزيرة العربية جنوباً. وعلى الرغم من أن اليونان والرومان كانت لهم أساطيلهم التي تمكنهم من الوصول إلى فلسطين بحراً، إلا أنهما اختارا الوصول برّاً عبر الأراضي السورية. ويتضح من تكرار هذه الممرات والمسالك أن فلسطين واقعة جغرافياً تحت تأثير كلاً من مصر وسورية، وأن كل دولة قوية تنشأ في أيهما، فإنها بالضرورة ستقرر السيطرة على فلسطين.
وعلى الرغم من وجود ممالك كنعانية ذات حضارة مميزة في فلسطين على مدار أكثر من ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، إلا إنها لم تعمد أبداً للسيطرة على الدول المجاورة، بل العكس هو الذي حصل وتكرَّر؛ وذلك بسبب ضعف الممالك الكنعانية سياسياً وتفرّقها الذي فرضته الطبيعة الجغرافية، حيث تقول قاعدة علم الاجتماع: حيث توجد الأنهار تنشأ دول قوية وموحدة، وحيث لا توجد الأنهار ويعتمد الناس على الأمطار تنشأ دول ضعيفة ومفككة. وفلسطين كما هو معرف تعتمد على سقوط الأمطار حيث لا توجد فيها أنهار تُذكر. لقد كان الانعكاس التطبيقي لهذه القاعدة أن ظلت ممالك الكنعانيين أضعف من أن تصد الغزاة، فضلاً عن أن تتوسع على حسابهم.
كل احتلال لفلسطين اعتمد على امتداداته في محيطها، حتى إذا انقطع عن هذه الامتدادات، غدا زواله مسألة وقت. وجدنا ذلك مثلاً عند انتهاء الدولة المصرية الحديثة التي قررت الانسحاب من فلسطين في 1200 ق.م.، فسرعان ما تمكن الكنعانيون الفلسطينيون من حكم أنفسهم. وبالعكس: ما إن تمكن الآشوريون من سورية حتى أصبحت سيطرتهم على شمال فلسطين مرحلة مضمونة، وكذلك فعل الكلدانيون، وكذلك فعل الصليبيون عندما قرروا إرسال حملاتهم لاحتلال بيت المقدس، فكانت سيطرتهم على سورية مقدمة ضرورية لسيطرتهم على فلسطين. وكذلك فعل نابليون عندما سيطر على مصر، كان حتمياً أن يسعى للسيطرة على فلسطين، وهكذا.
إن دروس التاريخ تقول: إن وجود دولة قوية في مصر أو سورية أو كليهما، سيجعل فلسطين تابعة بالضرورة. وإن كياناً في فلسطين لا يقوى على الاستمرار بمعزل عن مصر أو سورية أو كليهما.
لقد أدركت بريطانيا هذا الدرس وهي تخطط لمنح فلسطين لليهود ليقيموا فيها كيانهم الخاص، فعمدت لإضعاف كلاً من مصر وسورية، فوقعت مصر تحت الاحتلال البريطاني المباشر منذ 1882م، ومنحت سورية لفرنسا في اتفاق سايكس بيكو 1916م، وأدركت بريطانيا أن الكيان الصهيوني سيبقى ما بقيت سورية ومصر في حالة ضعف أو تحت سيطرة المحتل بشكل مباشر أو غير مباشر. ولذلك خشي العالم الحريص على الاحتلال الإسرائيلي من موجة “الربيع العربي” في مصر وسورية في عام 2011م، وشعرت دولة الاحتلال الإسرائيلي أنها أصبحت في مهب الريح، وهذا كان أحد أهم أسباب إفشال “الربيع العربي”.
إذا ما استعرضنا أحداث التاريخ في فلسطين، لوجدنا أن كل الدول المسيطرة قد اندثرت من فلسطين في آجال مختلفة، وعلى سبيل المثال: الإمبراطورية المصرية، الدولة الآشورية، الدولة الكلدانية (بابل الثانية)، الدولة الفارسية، الإغريق، الرومان، البيزنطيون، الصليبيون، المغول، حملة نابليون، الاحتلال البريطاني، وبقي الاحتلال الإسرائيلي ينتظر دوره..
3 . اجتماعياً وثقافياً
ترتبط فلسطين بجاراتها التاريخية بروابط اجتماعية وثقافية قوية؛ كالعِرْق، واللغة، والدين، والتاريخ، والعادات والتقاليد، والفنون والعمارة.
فتاريخياً، انتمى الكنعانيون ومنهم الفلسطينيون القدماء إلى العرب الساميين، وهم بذلك يشتركون مع جيرانهم من الأكاديين والكلدانيين والآشوريين والآموريين، فجميعهم خرج في فترة متقاربة من المنطقة الواقعة جنوب الساحل الغربي للخليج العربي، وينتمون إلى أصل واحد.
وقد اشترك الكنعانيون مع تلك الشعوب العربية السامية في عبادة عدد من الآلهة المشتركة، كبعل، وعشتار، فضلاً عن عبادة الله تعالى في الفترات التي بُعث فيها إبراهيم عليه السلام وأبناؤه الأنبياء، حيث عمّت ديانة التوحيد بلاد الشام ومصر لفترة زادت على أربعمائة عام متصلة. وحتى الفترة الوثنية في العصور الهلينية، لم ينثني السكان الأصليون عن عبادتهم إلى عبادة الآلهة اليونانية أو الرومانية. وحتى في العهد البيزنطي المسيحي، ظل السكان الأصليون على عقيدة التوحيد التي جاء بها عيسى عليه السلام، وهو ما سُمي بالمذهب اليعاقبي، بينما ابتدع البيزنطيون طقوساً جديدة لا أصل لها.
كما دلت الكتابة القديمة إلى اشتراك اللغات العربية السامية القديمة في أصل واحد. وهي كتابة مهجّاة وليست مجرد رموز. وقد تطورت هذه اللغات إلى اللغة العربية الحالية.
كما كان للسكان الأصليين فلكلورهم وتراثهم الفني والأدبي وتقاليدهم المتناغمة مع بيئتهم العربية وأصولهم العربية، والتي اختلفوا فيها عن الفرس والإغريق والرومان والصليبيين والمغول والاستعمار الأوروبي الحديث. وفي كل هذه الاختلافات، أكّد السكان الأصليون على خصائصهم، مبتعدين عن الذوبان في ثقافة الغزاة.
وبنظرة متفحصة في واقع فلسطين في ظل الاحتلال الإسرائيلي، نجد أنه منفصل عن المنطقة في جميع المجالات؛ فمحيطه عربي مسلم في غالبه، ومشترك في ثقافة عربية واحدة، بينما هو احتلال يهودي متعدد الأعراق والأجناس واللغات والثقافات، فهناك اليهود الشرقيون (السفارديم)، واليهود الغربيون (الأشكنازم)، واليهود الروس، ويهود الفلاشا، وهناك اللغة العبرية، والروسية، الأمر الذي يجعله في عزلة عن محيطه، تمنعه من الاندماج في المنطقة، وهو ما يجعل اندثاره منها يأخذ طبيعة جذرية، تأخذ إلى حدٍّ بعيد شكل اندثار الحملات الصليبية.
4 . صهيونياً
قامت الفكرة الصهيونية منذ منتصف القرن التاسع عشر على عودة اليهود إلى جبل صهيون في القدس. وقد دأب كبار المنظِّرين للفكرة الصهيونية على التعامل مع فلسطين كأرض بكر لم تطأها أرض الإنسان، أو أنها تشبه الأمريكتين عند اكتشافهما، بحيث قام الفكر الصهيوني على استبعاد السكان المحليين بالقتل والتهجير والاستعباد، فقد دوّن ثيودور هيرتسل في يومياته: “سنذهب إلى هناك (فلسطين)، وسنعمد للتخلص من البدو المتوحشين، بينما نسخر الفلاحين لخدمة الأرض قبل أن نتخلص منهم، ثم ننظر فيما سيتم تبادله من بضائع مع أوروبا”. هذا القول لهيرتسل يشير إلى عدم دراية اليهود الصهاينة بمقدرات فلسطين التي كانت إحدى أفضل ولايات الدولة العثمانية، خصوصاً لوجود مقدسات المسلمين والمسيحيين فيها، كما يشير إلى محاولة الصهاينة تشبيه استعمارهم لفلسطين بالاستعمار الأوروبي للأمريكتين. هذا الأمر يشير إلى اعتراف ضمني للحركة الصهيونية بأنهم لا ينتمون لهذه المنطقة، وأنهم حريصون على تأكيد انتمائهم للحضارة الأوروبية والاستعمار المنبثق عنها.
السلوك المنهجي الذي اتبعه الصهاينة في فلسطين منذ أواخر القرن التاسع عشر، بزرع مستوطنات يهودية، واستبعاد العمالة العربية، والنظر بازدراء شديد للعرب، يؤكد ويفسِّر عدم قدرة الاحتلال الإسرائيلي على الاندماج في المنطقة، الأمر الذي يجعله متعارضاً مع منطق الجغرافية والتاريخ والاجتماع، مما أشرنا إليه آنفاً.
ومن جهة ثانية، فإن صمود ومقاومة الشعب العربي في فلسطين لمشاريع تهويد فلسطين، جعلت هذا الاحتلال يفشل في تحقيق أيٍّ من استراتيجياته، ومن أمثلة ذلك فشل الاحتلال في التخلص من أعداد كبيرة من الفلسطينيين سواء بالقتل أو بالتهجير، وسواء في حرب عام 1948، او عام 1967، وحتى عام 2024م. وبالمقابل، تحدي الشعب الفلسطيني لإجراءات الاحتلال، وقيامه بالعديد من أعمال المقاومة السلمية والعسكرية عبر سنوات الاحتلال الممتدة. يُضاف إلى ذلك رفض المحيط العربي، ولاسيما الشعبي، التطبيع مع دولة الاحتلال، واعتقاد هذه الشعوب بقرب زوال الاحتلال.
إن رفض الاحتلال الإسرائيلي الاعتراف بحقوق الفلسطينيين، وسعيه الدائم لإفشال مشروع الدولة الفلسطينية على جزء من فلسطين، يمثِّل خطراً حقيقياً على دولة الاحتلال؛ لأنه يحول دون اندماجها بشكل طبيعي في المنطقة، إذ إن طريق الاندماج تمر عبر الاعتراف بحقوق الفلسطينيين وتمكينهم منها. والواقع أن الاحتلال الإسرائيلي ليس فقط لا يستطيع الاندماج بقدر ما إنه لا يريد ذلك الاندماج؛ لما فيه من خطر الذوبان الذي يُفقده خصائصه، ويُنهي مشروعه، لينتهي بزواله.
5. دينياً
فقد أشار القرآن الكريم في أكثر من موضع إلى تحريم الله لفلسطين (الأرض المقدسة) على اليهود، وحديثه عن إفسادتين لليهود تنتهي آخرتهما بدخول عباد الله للمسجد الأقصى الذي بارك الله فيما حوله من فلسطين.
أكد الإسلام على قدسية فلسطين، وأنها أرض باركها الله للعالمين، وإنها مهاجر إبراهيم التي هي خير بلاد الدنيا، وأنه لا يُعمِّر فيها فاسد أو ظالم، ولا حتى الوباء والجراد. وإن هذه الأوصاف لفلسطين، والتي وردت في آيات قرآنية وأحاديث نبوية كريمة، جعل أمر التنازل عن فلسطين والاستسلام أو التسليم للمحتل أمرٌ مستحيل.
وقد أكد اليهود وقادتهم وعلماؤهم مخاوفهم من قرب زوال دولتهم في فلسطين، وتحدثوا عن نبوءات استقوها من توراتهم وتلمودهم، تتحدث عن نهاية دولتهم في عقدها الثامن الجاري.
كانت فلسطين بحق، أرض الأنبياء ومهد الديانات السماوية، ففيها انتشرت دعوة إبراهيم، وفيها عمَّر اسحق ويعقوب، وإليها وصلت دعوة يوسف، وإليها سار موسى وفتحها خليفته يوشع بن نون، وفيها أقام داوود وسليمان ملكهما، وظهر فيها زكريا ويحيى، وفيها بعث الله عيسى، ومنها انطلقت دعوته إلى أرجاء الدنيا عبر حوارييه، وإليها أُسري بمحمد عليه الصلاة والسلام حيث استلم مقاليد المسجد الأقصى من الأنبياء الذين صلوا خلفه، وحرص على فتحها وتحريرها في أكثر من غزوة، وحضَّ صحابته على فتحها. وبالفتح الإسلامي لفلسطين أصبحت أرض وقف إسلامي، لها قدسيتها. وبالفتح الإسلامي حسم الله تعالى أمر فلسطين، بأنها أرض إسلامية، ولذلك وجدنا أمة الإسلام تستنفر للدفاع عنها أمام كل غازي أجنبي، كما حصل إبان الاحتلال الصليبي، والمغولي، والنابليوني، والبريطاني. ولن تسلِّم الأمة للاحتلال الإسرائيلي، وسوف تدحره عنها كما دحرت أسلافه الغزاة، فهذه بشارة سورة الإسراء، وحديث الطائفة المنصورة، وحديث الخلافة الراشدة.
خاتمة
إن الأدلة الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والثقافية والدينية تشير إلى أن مصير الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين هو الزوال. وقد اقترب موعد تحرير فلسطين، إذ إن كل العوامل المحيطة تؤكد أن بقاء الاحتلال الإسرائيلي في أرض فلسطين مجرد مسألة وقت.