لهذه الأسباب ستُهزم “إسرائيل”

أولاً: جغرافية فلسطين تفرض عليها أن تقع تحت هيمنة القوى الإقليمية، حيث يمر من فلسطين من سورية شمالاً أو من مصر جنوباً لتحقيق تطلعات القوى العظمى عبر التاريخ. كما تؤكد البيئة الفلسطينية انتماءها للبيئة العربية المجاورة لها من جميع الجهات، سواء إثنياً أو دينياً أو لغةً أو تاريخاً أو تراثاً. في المقابل، يسير الاحتلال الإسرائيلي عكس تيار فلسطين. وقد فصّلنا هذه الاعتبارات في مقال: “فلسطين تلفظ المحتل”.

ثانياً: العقلية اليهودية عنصرية استعلائية لا تقبل بالآخَر ولا ترضى بالاندماج. فهي تنظر للعرب على أنهم حيوانات وحشرات، مما يجعل بقاءها في فلسطين أمراً مستحيلاً؛ لأن عوامل الدفع والمقاومة لهذه العقلية تتغذى على الروح العدائية التي يعلنها اليهود تجاه العرب.

ثالثاً: أثبتت إسرائيل في تاريخها الممتد منذ عام 1948 بأنها لا ترضخ لـالقانون الدولي ولا حقوق الإنسان، ولا تلتزم بالاتفاقيات الدولية، ولا تقيم وزناً لأحد. وقد أثبتت حرب طوفان الأقصى، بما جرى خلالها من تحدي إسرائيلي لكل الأعراف والمواثيق الدولية، وارتكابها لأبشع الفظائع، أن هذا السلوك لن تطيقه دول العالم لفترات طويلة. سرعان ما ينقلب المزاج الشعبي والرسمي في العالم ضد هذا الاستعلاء اليهودي، ويتنكّر له، وحينها لن يمد لها أحد يده لإنقاذها. ما ارتكبته إسرائيل من فظائع عبر أكثر من ست وسبعين سنة، ركّزته بشكل مكثف في شهور الحرب، مما جعل قرار عزل إسرائيل دولياً أمراً ممكناً الآن.

رابعاً: عجزت إسرائيل منذ نشأتها عن تحقيق أهدافها الاستراتيجية تجاه الشعب الفلسطيني. لم تتمكن من طرد كل الفلسطينيين أو الاستحواذ على أرض فلسطين طوال الوقت، ولم تتمكن من صهر فلسطينيي الأرض المحتلة في كيانها وثقافتها. ما عجزت عنه إسرائيل في مرحلة قوتها، لن يمكنها فعله في مرحلة ضعفها وأفولها. لقد بدا للعالم أجمع كم عجزت آلة الدمار والإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في حرب طوفان الأقصى عن طرد الفلسطينيين أو إخضاعهم أو سرقة أرضهم مجدداً، فالوقت لم يعد لصالح إسرائيل.

خامساً: أثبتت المقاومة الفلسطينية للعالم أن إسرائيل يمكن ضربها وهزيمتها ببعض التخطيط والإعداد الجيد، وهو ما برز بشكل واضح في معركة السابع من أكتوبر 2023. أصبح من الصعب على إسرائيل استعادة هيبتها في العالم مهما فعلت بالفلسطينيين من فظائع. ارتكاب الفظائع وجرائم الإبادة الجماعية لا تدل على القوة بقدر ما تدل على الانحطاط والسقوط الأخلاقي والقيمي والتنكر لأعراف البشرية والقوانين الدولية. وقد أدركت إسرائيل أن حرب طوفان الأقصى قد جرّأت المقاومة الفلسطينية، وأصبحت تخشى تكرار الهجوم، ولذلك أرادت كيّ الوعي الجمعي الفلسطيني بأن إيذاء إسرائيل ثمنه صعب للغاية. لكن ما تحذر منه إسرائيل هو ما ستقوم به المقاومة الفلسطينية بمجرد التقاط أنفاسها واستعادة حيويتها.

سادساً: أدت القناعة السابقة بين الفلسطينيين والعرب بأن إسرائيل لا يمكن هزيمتها إلا بتضافر جهود الأمة العربية إلى إضاعة وقت الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي لست وسبعين سنة. وقد أثبتت حرب طوفان الأقصى أن الأمتين العربية والإسلامية لم تكن منشغلة في تدبير هزيمة إسرائيل، بل امتنعت عن مناصرة المقاومة الفلسطينية في الوقت الأنسب. الأمر الذي أكد للمقاومة الفلسطينية أن دحر إسرائيل يعتمد على جهودها الذاتية، وأنه لا داعي لإضاعة مزيد من السنوات تحت الاحتلال، كما قال الشاعر: “ما حك جلدك مثل ظُفرِك.. فتولَّ أنت جميع أمرك”.

سابعاً: إفشال إسرائيل لجهود السلام التي كان من المفترض أن تسفر عن قيام دولة للفلسطينيين في جزء من فلسطين. فقد تنكرت إسرائيل لاتفاقية أوسلو ورفضت المبادرة العربية التي كان بمقدورها فتح إسرائيل على المنطقة العربية والإسلامية والتطبيع معها لو اعترفت بالدولة الفلسطينية في الضفة وغزة والقدس. وهكذا قضت إسرائيل على أحد أهم فرص دمجها في المنطقة والقبول بها، وبالتالي، تأكد للفلسطينيين والعرب أن المقاومة الفلسطينية وحدها هي السبيل لنيل حقوقهم، خصوصاً بعد إفصاح إسرائيل عن نواياها وهي تعيد احتلال غزة وتقول أن غزة يجب ألا تصبح حماسستان ولا فتحستان، وتريد إيجاد واقع جديد في غزة بعيداً عن السلطة الفلسطينية.

الفظاعات التي ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين في حرب طوفان الأقصى ستورثهم الحقد والكراهية اللتين ستولدان الرغبة في الانتقام والثأر، وهكذا تكون إسرائيل قد أضافت عوامل جديدة لتسريع زوالها. مئات آلاف الفلسطينيين أصبحت لهم ثارات مباشرة معها، ولن تدمع لأحدهم عينٌ على أية عذابات تعانيها دولة الاحتلال مستقبلاً. ولن يكون بمقدور المجتمع الدولي أن يقنع الفلسطينيين بوسائل أخرى لنيل حقوقهم أو للتعايش أو قبول المحتل، بعد أن ثبت هشاشة ونفاق وعوار هذا المجتمع الدولي.